صناعاتنا الزّراعية.. والاستثمار..!
لعلّنا حفظنا عن ظهر قلب ما يُردّده بعض مسؤولينا الاقتصاديين بين الفينة والأخرى، من ديباجات ومعلّقات أحلام؛ تفتقر إلى أدوات ربط قطاراتها بسكّة الواقع، لتدخل على الأرجح وبحسن نيّة في نفق الشّعارات التي ملّ الجّمهور سقايتها وسئم انتظار ثمارها، ومنها: ضرورة وضع برنامج وطني لتشجيع الصّناعات الزّراعية الوطنية، وصوغ استراتيجيّةٍ صناعية تضمن تحقيق تنافسيّة المنتجات الصّناعية ولاسيّما الغذائية منها، ورفع قدرتها على الوصول إلى الأسواق الخارجية، وخلق المناخ الملائم تشريعيّاً وفنيّاً وإداريّاً لزيادة الاستثمارات الصّناعية في الزّراعة، وتطوير القائم منها، بهدف رفع نسبة مساهمة الصّناعة إلى نحو 20% من النّاتج المحلي الإجمالي. والسّؤال شديد البراءة ههنا: من الذي سيضع هذا البرنامج الوطني، ومن الذي سيصوغ هذه الاستراتيجية.؟!
وإذا ما علمنا أنّ عدد منشآتنا الصناعية والحرفية هو 130987 منشأة، تشكّل الصّناعة الغذائية نحو 15% منها، أي أكثر من 19 ألف منشأة، فإنّ لغة الرّقم تدلّل على أهمية الصّناعات الغذائيّة والنّسيجية المرتبطة بشكل مباشر بالمنتج الزّراعي، وملحاحية النهوض بها من خلال صوغ استراتيجية (صناعيّة- زراعيّة) وقوننتها، ألف بائها: دعم الإنتاج الزّراعي للوصول إلى الكميات الكفيلة بتحريك عجلة الصّناعة..!
مشروع استراتيجية؛ ديدنُها: جذب الاستثمارات وتوطينها وامتصاص بعض العمالة التي أضناها الانتطار على بوابات سوق العمل؛ تطلّ بأبوابها المُشرعة على سهوب شاسعة لطالما أنبتت الكثير من إشارات الاستفهام عن نصيب القطاع الزراعي بشقّيه النّباتي والحيواني من ساقية الرّساميل المخطّطة، أو المأمولة، والتي ما لبثت تغمط هذا القطاع حقّه، وتضنّ عليه بمشروعاتها على الرّغم من التّوجه العالمي إلى الاستثمار في الزراعة والغذاء، وتأخذ في الحسبان؛ توافر العوامل الجّاذبة له لدينا، كالعمالة البشرية المؤهّلة والكفوءة والبيئة المناسبة والأراضي الشاسعة الخصبة..!
في حين؛ ما فتئ المعنيّون بزراعتنا واقتصادنا الزّراعي من استشاريّين وتنفيذيّين؛ يقرعون جرس الإنذار مدويّاً من مشهد زراعي ممعن في تشاؤمه، وينبئ بحقيقة مرّة؛ مفادها: استمرار تحوّلنا إلى بلد مستورد للغذاء – بعد عقود من الاكتفاء الذّاتي- سواءٌ ما كان منه بفعل الإرهاب الأسود المتنقّل على مساحات شاسعة من أراضينا؛ ما أخرجها من الخارطة الزراعية، أو ما كان من معدّلات نموّنا السّكاني المرتفعة. وباتوا يعلّقون الآمال لردم الفجوة القائمة؛ على برنامج الزّراعات الأسريّة أو المنزلية من جهة، وعلى تعديل قوانين الاستثمار بما يخدم الزّراعي منه، ويجلو اللّبس والغموض عن آلياته من جهة أخرى، بما يحقّق الرّبط الاستراتيجي بين السياسات الزراعية والتصنيع الزراعي، ويفتح آفاقاً أرحب للزّراعات الأقل استهلاكاً للمياه وفق خريطة أو “روزنامة” زراعية تلحظ حاجاتنا المحلية من المحاصيل في ضوء الحرص على مخزوننا المائي، عبر تقنين الزراعات الشرهة للمياه، ولاسيّما في المناطق التي يقترب فيها المتجدّد المائي من الصفر.
والحال أنّ من الملحاحيّة بمكان؛ إعادة النّظر في قوانين الاستثمار، والبيئة التشريعية الحاضنة للاستثمارات الزّراعيّة، ودعم مشروعات الصّناعة الغذائية الصغيرة والمتوسطة، وتبسيط إجراءات تمويلها، على التّوازي مع الحلول التّسكينية، كالزراعات الأسريّة لرأب الصّدع الغذائي، وجسر الفجوة بين احتياجاتنا الأساسية وبين ناتجنا القومي من المحاصيل الزّراعية ولاسيّما الاستراتيجية منها..!
أيمن علي