أمريكا تضلل اليابان
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
تقدّم السياسة الخارجية لليابان في هذه الأيام عدداً من الوجوه المختلفة للعالم، ومن الصعب التوفيق بين بعضها. ويقوم رئيس الوزراء شينزو آبي بتوثيق علاقاته الشخصية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويؤكد على استمرار إيلاء التحالف الياباني الأمريكي أولوية على الرغم من أن حكومته تبذل قصارى جهدها لتصوير نفسها على أنها مدافع رئيسي عن النظام الاقتصادي الدولي الليبرالي القائم على القواعد والذي تتّهم إدارة ترامب بتقويضه، وفي الوقت نفسه ابتعدت حكومة آبي عن واشنطن في سياستها تجاه الصين وتتعامل مع بكين، في وقت تخلّت فيه الولايات المتحدة فعلياً عن الانخراط البنّاء.
وبدأت طوكيو مواجهة العلاقات الأمريكية الصينية التي تتسم بعداوة آخذة بالتصاعد بالعمل باستقلالية أكبر فيما يتعلق بالشؤون السياسية الخارجية الفردية، مع حرصها على تجنّب أي تصادم وجهاً لوجه مع واشنطن حول القضايا الكبرى، ولكن التوازن بين الولاء والاستقلالية غير مستقر لأنه مرتبط بمتغيرين قد يتبدلان في السنوات القادمة، وهما: العلاقة الشخصية بين زعيمي اليابان والولايات المتحدة من جهة، والوضع الدولي الذي تهيمن عليه العلاقة بين الولايات المتحدة والصين من جهة أخرى، ويمكن أن يكون لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 ومسار العلاقات الأمريكية الصينية تأثير كبير على تطور السياسة الخارجية اليابانية في المستقبل.
ووفقاً لتقرير صحيفة “بلومبيرغ” صرّح ضابط أمريكي “أن الصين تشكل خطراً خاصاً، ويتعيّن على اليابان إبلاغ شعبها أن مخزون الأسلحة الصيني يهدّد اليابان كغيرها من البلدان في المنطقة”. يمكن اعتبار تصريحات هذا الضابط مثالاً آخر على مشاركة واشنطن في المنافسة الجيوسياسية للقوة العظمى -الاعتبار الرئيسي للولايات المتحدة في التعامل مع الشؤون الدولية المتعلقة بمنطقة آسيا والمحيط الهادي وأوروبا- كما تتماشى تلك التصريحات مع الإستراتيجية الخارجية الحالية للحكومة الأمريكية.
في تعاملها مع الصين، تسعى واشنطن جاهدة لتعزيز وجود حلفائها وقوتها المحيطة بالصين، وهي محاولة لضمان منافستها العسكرية المستقبلية مع الصين، وليس بالمستغرب أن نرى مثل تصريحات ذلك الضابط المجهول في الجيش الأمريكي، فاليابان بصفتها الحليف الأهم للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، محورية في إستراتيجية الأمن الأمريكية في آسيا، وكلمات الضابط تشير إلى أن واشنطن قد تتخذ خطوات جديدة لتعزيز القوة العسكرية لطوكيو من خلال التخلّص من القيود القانونية المختلفة من أجل تقييد أو إبطاء تنمية الصين.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان التقدم العسكري الياباني مقيداً بشدة بموجب المادة 9 من الدستور الياباني، والتي تنصّ على أنه لا يمكن لليابان أن تمتلك أسلحة عسكرية هجومية، وأن القوة العسكرية للبلاد يمكن أن تكون دفاعية أكثر منها هجومية، أي أن السياسيين اليابانيين الطموحين الذين يعتزمون تعزيز الجيش الياباني مقيدون للغاية بموجب الدستور.
ولتعزيز القوة العسكرية اليابانية، يتعيّن على الولايات المتحدة أولاً أن تحرّض الشعب الياباني على قبول محاولة القيادة الحالية تعديل الدستور، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي هو أحد هؤلاء السياسيين الذين لديهم نيّة لمراجعة المادة 9 وضمان أمن اليابان من خلال تعزيز قواتها العسكرية، لأنه لا يمكن لأي بلد الاعتماد بالكامل على دولة أخرى من أجل أمنها.
وتعكس معاهدة الأمن بين الولايات المتحدة واليابان والوجود العسكري الأمريكي في اليابان حقيقة أن اليابان لا تتمتّع بالسيادة الكاملة، ومن هذا المنظور تعدّ اليابان استثناءً بين الدول المتقدمة، والتي على الرغم من أنها تناضل للحفاظ على الاستقلال في الدفاع عن النفس دون تنسيق من الولايات المتحدة، سيكون من الصعب عليها تعزيز قدراتها من أجل الدفاع عن النفس. وإذا تمّ رفع القيود فستفاجئ اليابان العالم بنموها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي هذا السياق يكون موقف واشنطن من تعديل الدستور الياباني واضحاً تماماً، ومن المفضّل الآن رؤية اليابان تتخطى القيود ذات الصلة.
لقد عادت العلاقات الصينية اليابانية إلى المسار الصحيح بعد تراجعها إلى أدنى مستوى لها في عام 2012، ففي تشرين الثاني من عام 2018 قام آبي بأول زيارة يقوم بها رئيس وزراء ياباني إلى الصين منذ سبع سنوات، وتعهد رئيس الوزراء الياباني بفتح عهد جديد في العلاقات الصينية اليابانية ودفع العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة في أوائل شهر تشرين الأول من هذا العام، حيث يتماشى الزخم الجيد للعلاقات الثنائية مع احتياجات البلدين.
إن أكثر ما يقلق الولايات المتحدة هو ما إذا كانت اليابان ستشكك في توجيهات الولايات المتحدة، وسط تعاون اليابان الوثيق وتفاعلاتها مع الصين، ومن خلال تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان وإبلاغ الشعب الياباني بالتهديد الصيني، تنوي الولايات المتحدة تحذير اليابان من عدم الاقتراب من الصين وإلى حدّ ما تقييد استقلال اليابان في سياستها تجاه الصين.
ويُقاس نجاح السياسة الأمريكية تجاه اليابان بقدرة اليابان على مساعدة الولايات المتحدة بشكل فعّال في موازنة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبالتالي فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا والمحيط الهادئ واليابان سيكون لها تأثير على تحسين العلاقات بين الصين واليابان.
وعلى المدى القصير، ستلعب الولايات المتحدة دوراً كبيراً في التأثير على العلاقات الصينية اليابانية، لكنّ مستقبل العلاقات بين الصين واليابان تحدّده الدولتان على أساس مصالحهما، وإذا كان التدخل أو النفوذ الأمريكي يقوّض مصالح اليابان، فإن السياسيين اليابانيين قد يحفظون بعدهم عن الولايات المتحدة عند اتخاذ القرارات.