أوقات الفراغ.. انحراف في السلوكيات.. وشباب يلاحقون الأحلام خارج الحدود
في الوقت الذي يكون فيه البلد بأقصى حاجته لهم للنهوض من ألمه، نجد أغلبهم في المنزل يجلس دون فائدة مرجوة منه، ليس لأنهم لا يريدون المساهمة في بنائه، وضخ طاقتهم المهدورة في مؤسساته ومعامله، بل لأن الواقع الذي نعيشه اليوم يفرض عليهم الجلوس في المنزل، وانتظار فرصة العمل الميئوس منها في ظل الأزمة التي نعيشها، والتي كان من المفترض أن تخلق فرص عمل كثيرة للشباب بعد أن سافر الكثير منهم خارج الوطن تاركاً مكان عمله في مؤسسته فارغاً بانتظار من يملؤه، ولكن على ما يبدو أن الجهات المسؤولة وجدت في سفر هؤلاء الشباب فرصة للتخفيف من الأعباء المادية المفروضة عليها، في حين بقيت أوقات أغلب شبابنا مهدورة، وطاقاتهم مهملة، الأمر الذي أدى إلى خلق فجوة كبيرة في المجتمع، وحالات انحراف وضياع لديهم نتيجة هدر وقتهم وطاقاتهم.
عادات سلبية
دراسات كثيرة أجريت حول مواضيع تتعلق بالشباب، ولعل أبرز الدراسات تلك التي تحدثت عن طاقات الشباب المهدورة، حيث رأى علماء الاجتماع أن وجود متسع من وقت الفراغ لدى أعداد كبيرة من الشباب يؤدي إلى الانخراط في أشكال اللهو والعبث أو التسكع في الشوارع والطرقات، ويصل بالشباب إلى حالة من اللامبالاة وانعدام المسؤولية التي قد تنمي في الشاب عادة الإهمال، ويمكن أن يذهب الملل بعيداً بفكر الشاب، ويدفعه نحو سلوكيات اجتماعية خطيرة، أو يذهب به إلى ما هو أبعد من ذلك، فيجره إلى الجريمة بمساعدة رفقاء السوء.
هدر للذهن والوقت
شبابنا اليوم هم صمام الأمان، والقوة التي يتحصن بها وطننا، وهم الثروة التي يجب المحافظة عليها للمرحلة القادمة للنهوض من جديد ببلدنا، من هنا اعتبر الدكتور أكرم القش، “علم اجتماع”، مشكلة هدر الوقت والطاقات من المشكلات الهامة بالنسبة للشباب، حيث يسبب وقت الفراغ درجة من التوتر النفسي حول كيفية شغله بأنشطة مفيدة، لذا يجب على الوسائل التعليمية من مدارس وجامعات أن تعمل على اشتراك الشباب في الأندية الاجتماعية، والنشاطات الثقافية والعلمية والاجتماعية لملء أوقات فراغهم، فتأتي أهمية استغلال وقت الفراغ والاستفادة منه في هذه الأنشطة من حيث إمكانية تحقيق العديد من الحاجات الأساسية للفرد بممارسة العديد من الأنشطة المفيدة له في وقت الفراغ، فاليوم في ظل الأزمة التي نعيشها، هناك من اصطاد وقت الفراغ الضائع لشبابنا، وكان السباق لاستجرارهم وتجييشهم لخدمة أغراضهم ورميهم في براثن الإرهاب، لذا يجب على المؤسسات المعنية التفكير من جديد لإحداث تغيير جذري في المستقبل، لأن الشباب حالياً هم فئة مستهدفة من الكثيرين، ونحن في سباق لكسب عقولهم وطاقاتهم.
آثار عميقة
إعداد النفوس واستصلاحها مهمة صعبة تحتاج إلى جهود وإعداد، وإلى تخطيط ودراسة، لذا علينا تغيير واقع الشباب المترهل بتفعيل حضوره، وفاعليته، ومسؤوليته الوطنية، لينعكس التغيير على كافة الميادين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، فالمطلوب اليوم، برأي مضر سليمان، “ماجستير إدارة موارد بشرية”، هو السرعة والاستعجال باللحاق بهذه الشريحة التي تهاجر، ومنعها من الهجرة باستغلال طاقاتها التي تضيع بلا فائدة مرجوة، والتي تسبب بهدرها تراجع البلد عن التقدم، ناهيك عن أن إهمال طاقات الشباب يؤدي إلى فقدان هؤلاء الشباب الإحساس بقيمة فترة حاسمة وهامة من حياتهم، تلك الفترة التي يجب أن تكون فترة إعداد واكتساب للخبرات والمعارف والتكوين العلمي والمهني والعقلي والنفسي، فيظل الشاب معتمداً على والديه حتى سن متقدمة، وربما ينتظر أن يساعده والده في استكمال نفقات الزواج، وما شابه ذلك، لأن طاقاته لم يتم استغلالها بشكل جيد، وبالتالي اعتاد الاتكال على الآخرين، إضافة إلى مجموعة واسعة من الآثار السلبية العميقة المباشرة وغير المباشرة.
ميس بركات