خطوات الصين الثابتة
إعداد: عناية ناصر
تستثمر الصين في مجموعة ضخمة من مشاريع التنمية الدولية، المستوحاة من طريق الحرير القديم، والتي تثير خشية البعض من توسيع الصين لنفوذها في جميع أنحاء العالم.
كان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن في بداية عام 2013 أن ما يُسمّى بـ”مبادرة الحزام والطريق” تمثّل خطط الصين للاستثمار في التنمية الاقتصادية والنقل في أكثر من 130 دولة و30 منظمة دولية. وتمتد هذه المشاريع في جميع أنحاء آسيا، كما تشمل أيضاً أماكن في أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا وأمريكا الجنوبية.
قد يكون الاستثمار في البنية التحتية بتكلفة أكثر من 1 تريليون دولار أمريكي، المشروع الأكثر طموحاً الذي تمّ تنفيذه في تاريخ البشرية، وتأمل الصين أن يتمّ الانتهاء من ذلك بحلول عام 2049، الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. تُظهر الأبحاث في الاقتصاد الدولي أن بكين تمتلك خططاً اقتصادية وسياسية لكيفية جني ثمار هذه الاستثمارات، وبالفعل وقعت الدول في جميع أنحاء العالم اتفاقات للتعاون والتشارك مع جهود التنمية الاقتصادية والسياسية في الصين.
إن الصين، سريعة النمو، تحتاج إلى وصول موثوق إلى الطاقة، وتتضمن مبادرة الحزام والطريق إنشاء خطوط أنابيب ومشاريع بناء أخرى في آسيا الوسطى الغنيّة بالنفط والغاز. كذلك لدى الصين أيضاً هدف طموح للسيطرة على الإنتاج العالمي للسيارات الكهربائية- إضافة إلى غيرها من المعدات عالية التقنية- والتي تحتاج إلى إمدادات موثوقة من الكوبالت، المكوّن الرئيسي في البطاريات عالية السعة. يأتي أكثر من نصف إمدادات العالم من جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يساعد استثمار الصين هناك في تأمين جزء كبير من هذا العنصر المهم للإنتاج الصيني.
وقد انتقد بعض المحلّلين الغربيين هذه التحركات وغيرها، ورأوا فيها سعياً من أجل الهيمنة الاقتصادية، متذرعين أن اعتماد بعض البلدان على الاستثمارات الصينية يشبه الشرب من “الكأس المسمومة”، وهو ليس سوى انتعاش قصير يؤدي بعدها إلى الكارثة.
سيريلانكا، على سبيل المثال، تخلّفت عن سداد ديونها المستحقة للصين للتنمية في ميناء هامبانتوتا، فاضطرت إلى منح الحكومة الصينية استثمار الميناء لمدة 99 عاماً، كذلك جعلت الاستثمارات الصينية في ميناء جوادار الباكستاني باكستان مدينة للصين بأكثر من 10 مليارات دولار. ويرى هؤلاء المحلّلون أن ارتباط هذه الدول بشكل وثيق بالاقتصاد الصيني سينعكس أيضاً سياسياً، الأمر الذي يثير الخشية مما يسمونه الهيمنة الصينية، مشيرين إلى أن سيطرة الصين المتزايدة على الموانئ في آسيا، بما في ذلك هامبانتوتا في سريلانكا وجوادار في باكستان، محاولة لتجميع ما يصفونه بـ”سلسلة من اللؤلؤ” التي يمكن للصين من خلالها السيطرة على جزء كبير من آسيا.
كما أن الولايات المتحدة تعتبر التوسّع الصيني مصدر قلق أمني، وقد حثّت الهند على أن تكون مثالاً قوياً على أن الديمقراطية والمجتمع على الطريقة الغربية يمكن أن ينجحا في آسيا، إضافة إلى ذلك، ترى الولايات المتحدة أن العمل مع أستراليا والهند واليابان يشكل جهداً تنموياً هائلاً لمنافسة القوة الصينية. كما أن الاتحاد الأوروبي غير متأكد من نوايا الصين السياسية، حيث انضمّ بعض أعضائه للمشروع الصيني بشكل فردي، لكن آخرين عبّروا عن قلقهم من أن الخطط الصينية غالباً ما تتجاهل التنمية المستدامة البيئية والاجتماعية، ولاسيما أن عملية تقديم العروض ليست مفتوحة بشكل كافٍ. ويبدي بعض الأوروبيين ما يصفونه بالمخاوف من أن الصين تسعى لتقسيم أوروبا سياسياً، في ظل إشارة بعض التقارير الغربية الأخيرة إلى الاستثمار الصيني في مبادرة الحزام والطريق، والاهتمام الدولي بالتمويل الصيني، إلاّ أنهم يرون أن لا أحد يعرف على وجه اليقين ما تهدف إليه الصين باستثناء تعزيز قدرتها على منافسة الولايات المتحدة.