جدار آخر في ذهن الغرب!
ترجمة: عائدة أسعد
عن غلوبال تايمز 9/11/2019
أدى انهيار جدار برلين في /9/ تشرين الثاني 1989 أي قبل 30 عاماً إلى تغييرات جذرية في أوروبا الشرقية، وبعد ذلك بعامين انهار الاتحاد السوفييتي. إذا نظرنا إلى الوراء في التاريخ تتبادر إلى أذهاننا أسئلة عدة حول سبب انتهاء احتفال الغرب بالنصر أو عن ماهية تأثير الحدث على التغييرات العالمية الحالية؟.
ينظر الغرب إلى سقوط جدار برلين كعلامة على نهاية الحرب الباردة، وقد احتفلوا به على اعتباره نهاية التاريخ، ولكن سرعان ما شعروا بخيبة أمل وانزعاج .
إن العالم يتغيّر وكذلك الغرب، فقد سحقت الأزمة المالية العالمية عام 2008 على وجه الخصوص الروح المعنوية للغرب، وأظهرت للعالم أنه لا يمكن تصديق نهاية التاريخ، وبدأ أولئك الذين هتفوا بانتصار الغرب يدركون تراجع وفشل نظامهم المالي، والسبب الجذري هو الخلل في النظام الغربي.
يمكننا أن نرى كيف حدثت التغييرات من خلال مراقبة المشهد الاقتصادي العالمي في الفترة من 1980 إلى 2007، فقد شكّلت الاقتصاديات المتقدمة ما نسبته 59 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي يُقاس من حيث تعادل القوة الشرائية، وبلغت الحصة مجتمعة من الاقتصاديات النامية والناشئة 41 في المائة، في حين تظهر أحدث التقديرات لصندوق النقد الدولي أن تلك الأرقام انعكست تماماً هذه الأيام، فقد ارتفعت الاقتصاديات المتقدمة بنسبة 41 في المائة، بينما بلغت الاقتصاديات النامية 59 في المائة.
إن التوسّع العالمي للحضارة الغربية في أكثر من 500 عام وصل إلى نقطة تحول، وهذا يدلّ على اتجاه التنمية العالمية التي تحدّد نتائج الحرب الباردة، وأين يتجه النمط العالمي في فترة ما بعد الحرب الباردة.
ليس من السهل على بعض واضعي النظريات الغربية قبول هذا التغيير، فالحرب الباردة في جوهرها مواجهة سياسية وهي لن تنتهي فقط بسبب تفكك جانب واحد. وبهذا الخصوص قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “إن الناتو في مخاض موت الدماغ، وذلك لأن العقل العسكري لأكبر منظمة مسلحة في العالم يتدهور بعد فقدان منافسه العسكري، مع أن وعيه السياسي ما يزال نابضاً بالحياة”.
لقد عزّزت نهاية الحرب الباردة دافع الغرب لتوسيع قيمه وأنظمته، وإطالة عمر العقل السياسي، وحتى لو كان قد عانى من الإحباط، في الواقع، فإن هذا أبعد ما يكون عن دفع التغيير بما فيه الكفاية.
إن سمة إرث الحرب الباردة بالنسبة للعالم تكمن في الدفاع عن القيم التي يمكن أن تصنّف على أنها متفوقة وأقل شأناً، ويمكن استخدامها لخلق مواجهة الخطر المحدّق لأنه حتى اليوم ما زالت بعض القوى الكبرى تصنع إستراتيجيتها العالمية بناءً على ذلك، ولا يمكنها التكيّف مع اتجاه التنمية العالمية، خاصة وأنها عند مواجهة النهوض العام للبلدان النامية بقيادة الصين تأمل في تكرار الحرب الباردة وتحقيق النصر.
إن البعض يبحث عمداً عن خصوم جدد، حتى أنهم يخلقون أعداء وهميين وشعوراً بالأزمة كي يلهموا أنفسهم، ومع أن عقلية الحرب الباردة تبدو متلاشية لكنها في الحقيقة مخفية للغاية لدرجة أنها قد تظهر في أي وقت.
لا أحد يريد عودة ظهور توازن الرعب بين القوى الكبرى، كما حصل في الحرب الباردة، لأنه جعل الناس على جانبي جدار برلين يشعرون بالتهديد وجرّ العالم بأسره إلى الإرهاب النووي.
وعندما يحتفل الغرب بالذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين، عليه أن يهدم الجدار الموجود في ذهنه بدلاً من ترك عقلية الحرب الباردة القديمة تزعج الجنس البشري المحب للسلام.