من يعيد “الهيبة” لقرار طرطوس المحلي؟ تساهل بإشغالات الأملاك العامة ..وتطاول على القوانين ..وموارد مالية ضائعة؟!
تشكّل إشغالات طرطوس ضغطاً كبيراً على الشارع “الطرطوسي” بكل ما يحمله من شجون وآلام وتعد على حركة الناس والملك العام، والتطاول على القوانين والأنظمة، وبطبيعة الحال لم تكن الجهات الرسمية بعيدة عن الغمز، واللمز، والملامات العلنية وغير العلنية المقرونة بالاتهامات، والتلكؤ في معالجة هذا الملف “الشائك”، تارة بالتعامي بمسميات شتى، وتارة بتجاهل الحجم الحقيقي للمشكلة، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه بفعل الأمر الواقع؟!.
ويتصاعد الضغط ويكبر أمام ارتباك المجالس المحلية عموماً، وترددها وخضوعها لهذا النفوذ وذاك الأمر الذي حوّل مدننا إلى غابة من التجاوزات، والتشوهات البصرية والسمعية، و”الاحتلالات الشارعية” إن صح القول بالجملة والمفرق ضاقت بها الشوارع والأرصفة، وما يعرف بسوق النسوان ومحيطه الذي يتوسط أهم منطقة تجارية في مدينة طرطوس، وسوق الخضار، والمحال المجاورة لفرن الرمل الآلي، واحتلال المحال التجارية في الأسواق الرئيسية، واكتساح المقاهي والمطاعم لأرصفة الكورنيش البحري، حتى إن البعض ضمها لأملاكه بالواجهات الزجاجية، والنايلون، وأحواض الورود، والحواجز الخشبية، وتجهيزها بالديكورات، والطاولات، والكراسي، إلى جانب ضم مطاعم الاستثمار المنتشرة على الألسن البحرية لممرات المشاة، والمسطحات الخضراء، والمكاسر الصخرية.
هي بلا شك أمثلة يومية حية ساطعة على الواقع المزري الفاضح للتعديات التي ضاق الناس ذرعاً بها وبداعميها وحماتها، وما يجري ويدور في كواليسها حتى باتوا في حيرة من أمرهم وأمرها؟!.
الغريب أن معظم الإشغالات إن لم نقل كلها لا تؤتي أكلها، بمعنى أنها لا تشكّل- بقيمها الحالية- مورداً مالياً مجزياً لخزينة مدننا، بل على العكس فهي تفتح الباب لارتكابات وانحرافات واستنفاع واسترزاق غير مشرعن، وتكبيدها لنفقات وأعباء إضافية من صيانة ومعالجة للمخلفات والمتروكات اليومية التي ترهق عمال وخزانة البلدية؟!.
إجراءات لمجلس مدينة طرطوس
طرحنا السؤال على مدير المهن والشؤون الصحية بمجلس مدينة طرطوس فراس الموعي فقال: قامت المدينة بداية الموسم الصيفي بجرد الإشغالات المنفذة أمام المقاهي والمطاعم على الكورنيش البحري التي تبدأ شمالاً بمقهى الكهف، ورصيف المدينة القديمة، وتنتهي جنوباً بكافتيريا جيوفاني، ونظمنا بداية الشهر السادس ضبوط إشغال أملاك عامة بحق أصحاب المقاهي والمطاعم المخالفة، ووجهنا بتاريخ 3/6/2019 الكتاب رقم /2776/ ص.ع المتضمن تثبيت حالة الإشغال، وضرورة الحصول على الترخيص اللازم، ونظمنا عدداً من ضبوط إشغال أملاك عامة، وتوجيه الإنذار رقم 1152 ص.ع تاريخ 8/7/2019 لتبرئة الذمة المالية المترتبة في إشغال الأملاك العامة، والحصول على التراخيص اللازمة، ومنحنا عدة رخص إشغال لأملاك المدينة والأملاك العامة الواقعة أمام المقاهي والمطاعم باسم أصحاب المنشآت، وتوجيه الإنذار رقم 1201 ص.ع تاريخ 23/7/2019 المتضمن منح أسبوع واحد لأصحاب المنشآت والفعاليات لتسوية الالتزامات المالية المترتبة حرصاً من المدينة على عدم إغلاق المحلات المخالفة إلا بعد استيفاء الفرق كاملاً عن الإشغال عملاً بالدور الاجتماعي والسياحي والتشجيعي لمثل هذه المنشآت السياحية تحت طائلة إغلاق المحلات غير الملتزمة حرصاً على المصلحة العامة، وصدر قرار مجلس المدينة بتاريخ 6/8/2019 بحق المقاهي والمطاعم الشاغلة للملك العام وأملاك المدينة بتنظيم رخص الإشغال، مع الإشارة إلى أنه تم تكليف أصحاب المقاهي والمطاعم الشاغلة للملك العام وأملاك المدينة برسوم الإشغال المترتبة عملاً بقرار مجلس المدينة رقم 83 تاريخ 18/7/2019 المتضمن منح رخص إشغال مؤقت أمام المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الواقعة على الكورنيش البحري، والموثق وجودها حتى نهاية الموسم الصيفي، مع البدء فوراً بإعداد دراسة فنية تنسجم مع تعليمات وزير الإدارة المحلية والبيئة، وأحكام القانون المالي، تدرس وضع المظلات المنفذة في الملك العام وأشكالها، والمساحة التي تشغلها في الرصيف على الكورنيش البحري، وتحديد عرض ممر المشاة، وفصل الرصيف، على أن تعد هذه الدراسة من قبل لجنة خاصة تنظم محضراً بالمقترحات، وتعرض على مجلس المدينة بدورته القادمة لاتخاذ القرار المناسب بما يضمن حقوق المدينة بتحصيل رسوم إشغال للملك العام يدعم إيراداتها، وتحقيق مرور سهل وسالم للمواطنين على الأرصفة العامة، وبما لا يخرج عن مواد القانون المالي.
وتقوم مديرية المهن والشؤون الصحية في مجلس المدينة، وسنداً للقانون المالي رقم /1/ لعام 1994، وقرار المكتب التنفيذي رقم /92/ تاريخ 8/5/2019 بمنح رخص إشغال مؤقتة أمام المحلات التجارية وفق دراسة محددة، وخصوصية العمل، ويتم تقدير نسبة الإشغال من عرض الرصيف، مع مراعاة طبيعة الرخصة، وأهمية الموقع، وعدم عرقلة مرور المشاة، بحيث يتم استيفاء رسم إشغال عن المساحة المخصصة وفق قرار مجلس مدينة طرطوس رقم /86/ لعام 2016 المصدق من مجلس المحافظة، بما لا يقل عن 50 ليرة للمتر المربع الواحد باليوم إلى 90 ليرة للمتر المربع على الكورنيش البحري، وبما يحقق إيرادات مالية مهمة لمجلس المدينة، حيث بلغ عدد رخص الإشغال الممنوحة عند صدور قرار المكتب التنفيذي بتاريخ 8/5/2019 حتى منتصف شهر آب /85/ رخصة إشغال أملاك عامة متضمنة المساحة المرخصة، ومدة الرخصة، ونوع المهنة، وطريقة التسديد، والالتزامات التي تحدد عدم تجاوز المساحة المرخصة، وعدم إغلاق الرصيف وإعاقة مرور الناس، وتشمل أيضاً الممنوحة رخص إشغال خاصة بمكاتب ومعارض السيارات.
القرار83 واستطالاته؟!
أكد قرار مجلس مدينة طرطوس رقم 83 على منح رخص إشغال مؤقت أمام المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الواقعة على الكورنيش البحري الموثق وجودها، مع تحصيل رسوم إشغال الملك العام حتى نهاية الموسم الصيفي فقط، لكن الواقع القائم مخالف لكل الموافقات، ولا ينسجم مع تعليمات وزير الإدارة المحلية، وأحكام القانون المالي، والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى في الطول والعرض، والشرق والغرب مع الأسف؟!.. فأطاحت التجاوزات “الموثقة” وغير الموثقة بأرصفة المشاة والمشاة معاً، وتطاول المتجاوزون على الموانع، حتى إن غالبيتهم وضعوا حدوداً رسموها بالإطارات، والشاخصات، والكراسي، وغيرها كما سبق البيان؟!.
أما الكورنيش البحري فقد تحول بجزره ومسطحاته الخضراء وممرات المشاة إلى أملاك خاصة لشاغل كشك لا تتجاوز مساحة ترخيصه المؤقت ثلاثة إلى خمسة أمتار مربعة بكل ما للكلمة من معنى، فيما ذهب أصحاب الاستثمارات البحرية أبعد من ذلك فقطعوا ممرات المشاة، واحتلوا المسطحات الخضراء، وحددوها بالأسوار الخشبية، أو بالغراس الحراجية لتلبي استخداماتهم الإضافية لوضع محولات الكهرباء الضخمة، وتحويل ما تبقى لمقاهي رصيف، حتى المكسر الحجري لم يسلم من فنونهم، وكل ذلك يجري جهاراً نهاراً بلا أدنى وازع لا من ضمير ولا من أخلاق ولا من قانون، وبطبيعة الحال دون أن تستفيد خزينة البلدية قرشاً واحداً يوازي حجم اعتداءاتهم، اللهم إذا اعتبروا ما يدخل الجيوب ثمناً لفنجان القهوة هو البديل المقصود؟!.
الرسوم الضائعة بحساب من؟
بين أيدينا قائمة عشوائية لعدد من الاستثمارات على الكورنيش البحري المترتبة عليها التزامات إشغال أملاك عامة، بينها استثمارات خاصة، وهي مملوكة لجهات لها صفة عامة يقترح فيها أحمد عيسى، عضو المكتب التنفيذي المختص بمجلس محافظة طرطوس، استناداً لرأي مديرية الشؤون القانونية، اتخاذ الإجراءات القانونية لضمان حق المدينة لقاء إشغال الملك العام، بما فيها الشمع الأحمر، والإغلاق، وعدم منح الموافقة على الإشغال في هذا الموقع، وقد أحاط محمد خالد الزين رئيس مجلس مدينة طرطوس دوائره علماً بإجراء اللازم بتاريخ 7/4/2019، علماً أن قيمة إشغال الأرصفة المتحققة من عام 2016 لغاية 2019 تجاوزت الـ 60 مليون ليرة، بما فيها فوائد التأخير، والرسوم الأخرى المعمول بها، وهذا ما لم يحصل طبعاً، ولدينا عينات أخرى من رخص الإشغال المؤقتة تعود لملكيات خاصة أو مستأجرة أو مستثمرة على مقاهي ومطاعم الرصيف الشرقي للكورنيش البحري، وقد حدد بدل الإشغال للأملاك العامة ما بين الـ 60- 70- 90 ليرة/م2/ باليوم، وصل معها إجمالي المبالغ المستحقة لخزينة المدينة لأرقام مهمة يمكن أن تغني مدينتنا من الشح والشكوى في حال تمكنت المدينة من تحصيلها، ولكن هناك جملة من الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة مثل: إلى أي حد تتطابق توصيفات المدينة وواقع الإشغالات ومساحاتها المقدرة والفعلية؟وهل شملت التوصيفات إشغالات الأسواق التجارية، والتعديات على أرصفتها، وممرات المشاة البحرية، والمسطحات الخضراء التي يهيمن عليها مستثمرو المنشآت السياحية الأربع العائدة للمدينة ذاتها، بما فيها الأكشاك العشرة التي قضمت المسطحات الخضراء، والساحات المحيطة بها دون مقابل “ببلاش”؟! وهل تتوافق قيمة إشغال المتر مع القيمة الحقيقية لمتر منطقة الإشغال؟ وهل يجوز ضم رصيف الإشغال لهذه المنشأة أو تلك بالكامل، كما هو حال أغلب الاستثمارات تحت مسمى “إشغال مؤقت”؟! وأخيراً هل تمكنت المدينة من تحصيل مستحقات الإشغال المالية كاملة، أم أنها آجلة التحصيل وعلى دفعات وأقساط؟.. والمطلوب إعادة الهيبة للقرار البلدي المحلي، والدفاع عنه بلا مجاملة، واستبعاد كل الحجج والمبررات التي تساق حتى تستقيم الأمور لتعود لنصابها.
وائل علي