في “النفاق” الأوروبي الأردوغاني المشترك
الإيجاز، بداهة، هو أسّ البلاغة عند العرب، بل هو البلاغة ذاتها في قول مأثور ومشهور، لذلك جاءت كلمة “النفاق”، التي استخدمها الرئيس الأسد في حواره التلفزيوني الأخير لوصف موقف الأوروبيين من “أردوغان”، تكثيفاً بلاغياً موجزاً لتوصيف ساستهم وسياستهم في الآن ذاته، كما كانت كلمة “اللص” التي أطلقها على “أردوغان” في حوار سابق تكثيفاً بلاغياً موجزاً ومعبّراً أيضاً عن صفات عديدة لسياسته وحزبه الإخواني الهوى العثماني الهوية.
والحال فإن النفاق الأوروبي يمتلك تاريخاً “مجيداً” معروفاً للجميع، لكنه كان، أيضاً، مفيداً لهم في حقبة سيطرتهم الاستعمارية على العالم، فيما نفاقهم الحالي مقلق وضار ليس لضحاياه من “الآخرين” فقط، بل لأصحاب “الدم الأزرق” أيضاً، وذلك بسبب السياسة المخاتلة المنافقة التي دعموا بها الإرهاب ورعاته مثل “أردوغان”، في زمن ليس زمنهم كما تقول الوقائع، وتبدو فيه دولهم و”اتحادهم” “عوامة على وشك الغرق” كما وصفه أحد سياسييهم المخضرمين، لذلك كان من الطبيعي أن ينقلب “فرانكشتاين” الإرهاب الذي ساهموا بصنعه نحوهم، وهو ما حصل فعلاً في شوارع باريس وغيرها من العواصم الأوروبية، وكان من الطبيعي أيضاً أن يهدّدهم به ليلاً نهاراً “أردوغان” شريكهم الإقليمي في الصناعة، وبالتالي ليست خشيتهم من هذا التهديد إلا نفاقاً بيّناً.
ومن الضروري هنا تذكّر أن آخر مآثرهم “النفاقية” هي قيام قضائهم “المستقل” بتبرئة شركة “لافارج” الفرنسية الشهيرة من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سورية رغم أنه مازال يحاكمها بتمويل “داعش وإرهابيين آخرين”، وكأن التمويل، وفق منطوق هذا القرار القضائي العجيب، كان موجّهاً لمنظمات “داعش” الإنسانية..!!، وذلك نفاق قضائي لاحق بنفاقهم الإنساني المتمثّل في التباكي على “معيشة” السوريين، في الوقت ذاته الذي يضرب فيه إرهابهم الاقتصادي، بالحصار والعقوبات الجائرة، أسس وركائز هذه “المعيشة”، وكان آخر مثل مآثرهم “قرصنة” السفن المحمّلة بالمشتقات النفطية والإفراج عنها لاحقاً بشرط التوجّه إلى أي مكان في العالم إلا سورية..!! كما قالت بريطانيا حينها.
لكن نفاق الأوروبيين لا يتوقّف عند سورية ومأساتها، فها هم يحاولون إلصاق نتائج أفعالهم السابقة، وما يمكن أن يترتب عنها بروسيا، “التي تستخدم أدواتاً جديدة مثل التضليل المعلوماتي والمرتزقة” قد تؤدي إلى “سوء تقدير” أو حتى “نشوب حرب عالمية ثالثة”، كما قال رئيس أركان الدفاع البريطاني، وهذا بالإضافة إلى أنه نفاق مكتمل الأركان، فهو أيضاً محاولة مكشوفة لتبرئة أنفسهم عمّا حدث، وسيحدث، فيما الوقائع تقول إنهم، و”العم سام” طبعاً، “سادة” في استخدم التضليل المعلوماتي والمرتزقة منذ عقود، وليست “بلاك ووتر” الشهيرة بجرائمها في العراق وسورية إلا طبعة حديثة عن منجزاتهم هذه.
ولأننا في سياق الحديث عن “النفاق” و”اللصوصية” لا بد من ذكر “المعلم أردوغان”، فالرجل الذي ينادي في العلن بوحدة الأراضي السورية واستقلالها، يسعى، في العلن أيضاً، إلى احتلالها وتقسيمها بصفته أحد الفاعلين السلبيين الأساسيين في الأزمة السورية بداية واستمراراً، عبر تقديم كافة أنواع الدعم اللوجستي للإرهابيين المحليين والدوليين، ثم واصل نشاطه التفتيتي بـ”تتريك” معلن لمناطق الشمال السوري، وهو في سبيل تحقيق أهدافه هذه – وخوفاً على ثروته الشخصية وثروة أولاده المنهوبة من الشعب التركي والموارد السورية معاً – “بلع” إهانة ترامب المقذعة والشخصية بحقّه ليحلّ غداً ضيفاً خانعاً على هذا الأخير لتلقي تعليمات المرحلة المقبلة، وهي لن تتجاوز، من جهة أولى، تشذيب عملية “نبع الإرهاب” بحصر ضررها على سورية وحلفائها لا حلفاء واشنطن، ومن جهة ثانية دفع “وفدهم” كي يكون أكثر تشدداً في جولات “الدستورية” القادمة، استعداداً لعرقلة عملها بالكامل إذا لم تحقق لهم بالسياسة ما عجزوا عنه بالسلاح.
بيد أن البلاغة والإيجاز تتمثّل، فعلياً، في ما قالته سورية، بصمودها طوال السنوات الماضية، لأردوغان: “من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه” – وتلك جملة تنطبق تماماً على حالة أوروبا أيضاً – فهذا ليس أوان “خلافة”، و”خلافة البغدادي” البائدة مثال وعبرة لمن يعتبر، لكن “ما أكثر العبر وأقل الاعتبار”.
أحمد حسن