فيصل خرتش: لا أجامل في كتاباتي ولا أُزيِّف ولا أُجَمِّل
في كتاباته القصصية والروائية يكتب ما يراه ويسمعه ويحس به، وهو يؤمن أن الكاتب ليس لديه سلاح إلا القلم وعليه أن يجيد استعماله، لذلك يصف نفسه بالكاتب الرجيم الذي يسلط قلمه على كل ما هو عفن ورجعي وظالم ويشهره في وجه أولئك الذين يقتلون الناس ويجبروهم على ترك البلد وكل ذلك بسخرية مريرة.. بدأ قاصاً وسرعان ما انحاز للرواية المكان الأرحب له.
لا أعرف الكتابة عن الحب
حاولتَ ترك الكتابة أكثر من مرة، فلماذا كنتَ تتخذ مثل هذا القرار؟ ومن الذي كان يعيدك إليه؟
كنتُ أتخذ قرار ترك الكتابة بلحظة يأس، وغالباً كانت لا تستمر إلا بضعة أيام، وفي هذه اللحظات كنتُ أكره نفسي وأكره الكتابة وأكره كل الذين يحيطون بي، وأعترف أن هذه الحالة تصيبني كل بضعة شهور، وغالباً عندما أنتهي من عمل إبداعي، لكن سرعان ما أعاود الكتابة لأنها مهنتي، والرجل يجب أن يكون مخلصاً لمهنته.. إنها قدري، وأنا لا أملك القدرة على تغيير هذا القدر.
تقول في أحد حواراتك: “لا أفكر كيف أكتب.. هذا عملي اليومي” من أين تستقي موضوعاتك؟
أعمل يومياً.. أستيقظ في الرابعة صباحاً ويكون الجو مناسباً لأبدأ الكتابة، وبعد ذلك أقرأ حتى الثامنة فأستريح قليلاً لأعاود الكتابة في فترة ما بعد الظهر.. وهكذا، حتى أنني لا أعطي نفسي يوم إجازة.. أستقي موضوعاتي من الحياة، فحياتي فيها الكثير من المغامرة والإدهاش، إضافة إلى قراءاتي الكثيرة.
تنحاز بشدة إلى عالم المقهورين فتدافع عنهم وعن لقمتهم، وقد زاد هذا القهر والفقر اليوم، فماذا أنت فاعل؟
من الطبيعي أن أكون مع هؤلاء.. إنهم عالمي الذي أنتمي إليه.. كنتُ منهم، وسأظل، وهم أهلي، واليوم ليس لي إلا الكتابة.. أنا أكتب إذاً أنا موجود.. إنني أتعايش معهم وأساعد المحتاجين منهم، وكل رواياتي وأعمالي القصصية تحكي عنهم.. لا أجامل في كتاباتي ولا أُزيِّف ولا أُجَمِّل.
ما يميز كتاباتك أنها تميل إلى السخرية والتهكّم، فما الذي تُقَدِّمهُ السخرية لك ككاتب؟
تعلمتُ السخرية من والدتي، فهي كانت تسخر من كل شيء حتى من أولادها وتتهكم على الجميع.. ربما لم أتعلم السخرية منها وإنما ورثْتُها ولا أتصور نفسي أكتب باتزان ووقار وكل ما حولي يدعوني للسخرية، وكيف لا أسخر والعالم مملوء بالسخرية؟ وماذا نقول عن هذه الحرب التي شملت كل سورية؟ أليست هذه سخرية ما بعدها سخرية؟ ماذا سنقول عن هؤلاء المتزمتين الذين ينفذون أوامر القتل ويقولون إن الله أمرنا بذلك؟ أليست هذه سخرية؟ الحياة مملوءة بالسخرية والتهكم، ونحن علينا أن نعرف كيف نلتقطها ونوظفها لتكون عملاً إبداعياً.
تقول: “أنا لا أعرف الكتابة عن الحب.. هذه المهنة لغيري”.
أنا لم أُخلَق لمثل هذه الأمور، فجيلنا لم يعرف الحب إطلاقاً.. جيلنا هو جيل الحروب، فأنا منذ ولدتُ ولا أعرف طريقاً إلى حياتي سوى الحروب، من حرب 1948 إلى حرب السويس ثم حرب 1967 إلى حرب 1973 فالاجتياح الإسرائيلي للبنان وحرب العراق وإلى الآن والحروب مستمرة، فكيف أحكي عن الحب في يومنا هذا بالتحديد ولا يوجد أم أو أخت أو زوجة إلا فقدت أحداً ما؟
ماذا أنتجتَ خلال الحرب؟ خاصة وأنك لم تغادر مدينة حلب وهي التي عانت ويلات الحرب والحصار؟
أنتجتُ رواية “دوار الموت” وهي تدور ما بين حلب والرقة وصوّرتُ فيها كل ما جرى من قتل وتدمير، وكذلك تحدثتُ عن المسلحين والجوع وندرة المياه وما حدثَ بنا خلال الحصار، وأتذكر كيف كنتُ أستيقظ الساعة الخامسة صباحاً لأحضر الماء من أحد البيوت التي فيها بئر ولا يأتي دوري إلا بعد ساعات طويلة جداً، فأي إنسانٍ أنا كنتُ يومها؟ وأي وضع عشتُه وعاشه أهل حلب؟
فازت روايتك “أهل الهوى” بجائزة الطيب صالح و”تراب الغرباء” بجائزة نجيب محفوظ، فأية خصوصية حملتها هاتان الروايتان لتنالا جائزة؟
نلتُ الكثير من الجوائز، والجائزة الأهم بالنسبة لي هي جائزة رياض الريس على روايتي “موجز تاريخ الباشا”.. رواياتي تتمتع بخصوصية عالية هي الحداثة، وهذه لا تكون بالشكل فقط ولا في المضمون، إنها في الاثنتين معاً.. عندما أعمل فإنني أعمل بجد ولا شيء يوقفني، وأنا لا أضع الجوائز نصب عينيّ، وعندما أكتب فإنني أكتب وأغرق فيما أكتبه.
أبحث عن رزقي
تكتب للصحافة إلى جانب الكتابة الأدبية، فمتى تذهب إلى الأولى ومتى تذهب إلى الثانية؟
وضعي كمن يتزوج من امرأتين، فهذه لها دور وتلك لها دور.. عندما أستيقظ في الصباح تكون الكتابة للصحافة، وعندما يكون المساء تكون الكتابة للأدب، وفي الصحافة أبحث عن رزقي كي أعيش ويستمتع أولادي، أما العمل الإبداعي فهو لي ولا أحد ينازعني فيه، وغالباً أعدل بينهما.
بين القصة والرواية هل تبدو أكثر ميلأ للثانية؟
بدأتُ أكتب القصة منذ أن كنت تلميذاً في الصف الخامس وكان الأساتذة يقولون لي بأني سأصبح كاتباً مهماً، وأذكر أنني قرأتُ موضوعاً وكان الأستاذ يُشَنِّف أذنيه إعجاباً بما أقرأهُ، وعندما انتهيت وكعادته طلب الدفتر ليكتب ملاحظاته، وعندما أعطيتهُ الدّفتر لم يكن مكتوباً فيه شيء، فصعُق المعلم وقال أين الموضوع؟ قلتُ له إنني لم أكتبه، فقال ولكنك كنت تقرأه الآن، فقلت من عقلي، وعند ذلك أخذ الدفتر وملأ لي صفحتين بالأحمر بأنه يتوقع لي مستقبلاً باهراً.. وفي الصف الخامس كنت أصنع القصص المصورة وأضع القصة والرسوم وكل ما يتعلق بها، واستمرّ معي ذلك إلى الجامعة حيثُ كانوا يقولون إن أسلوبي هو أسلوب روائي، وفيما بعد صرتُ روائياً ألعب بأبطالي وأصنع منهم ما أشاء، أمازحهم وهم قد يزعلون مني فأراضيهم، وقد يشتد بي الأمر فأجعل الواحد منهم يضع باقي الشخصيات في فرّامة اللحم.
تحولت روايتك “تراب الغرباء” إلى فيلم سينمائي بتوقيع المخرج سمير ذكرى، فما تقييمك لما شاهدتَه سينمائياً؟
سمير ذكرى له فيلمه الخاص وأنا لي روايتي، وكل من قرأ الرواية كان يقول كان على سمير أن يفعل كذا وكذا، وأنا أقول كان على سمير ذكرى أيضاً أن يضع اسمي على بعض الأفيشات لا أن يتنكر لي معنوياً ومادياً والفكرة فكرتي والرواية لي، خاصة وأن الجائزة مُنحت في مهرجان القاهرة السينمائي للفيلم عن الفكرة والجرأة في الطرح.
أي جديد لديك اليوم؟
انتهيتُ مؤخراً من كتابة رواية “مقهى العميان” وهي رواية تسجل تاريخ أحد الأحياء الشعبية في حلب وما جرى فيها ليوسف وهو أحد أبطال الرواية الذي عاصر كل الحروب التي عشناها في منطقتنا العربية.
أمينة عباس