بانتظار قانون البيوع العقارية… ضعف الطلب والمبالغة في جني الأرباح يضعان مهنة التقييم العقاري “على الرف”
لم تأتِ الأزمة على السوق العقارية من حيث التأثيرات القاسية للركود والتضخم وحسب، بل ضعّفت الطلب من جراء تآكل القوة الشرائية، ورغبة ملاك العقارات في المحافظة على أملاكهم، بالنظر لكونها من الوسائل الناجعة في الحد من مخاطر تقلبات سعر الصرف، وذلك في موازاة سيادة حالة من عدم الاطمئنان الاستثماري في هذه السوق وغيرها، ولا تقل عن هذه المشكلات مشكلة دقة وجودة عملية التقييم والتخمين العقاريين، فماذا عن مهنة التقييم العقاري، وكيف يمكن أن تخدم فيه أطراف السوق جميعاً، نقصد العارضين، الطالبين، الممولين، المطورين وغيرهم..؟
مهنة ليست مطلوبة
يسجل مقيمون عقاريون شكاوى دائمة من تراجع الطلب على مهنتهم، الذي فرضته ظروف الأزمة وتداعياتها، نتيجة انخفاض عمليات نقل العقار (بيع – شراء)، متأثرة بارتفاع أسعار العقارات على نحو حاد، وركود الأسواق العقارية، وضعف القوى الشرائية، ولاسيما لدى متوسطي ومحدودي الدخل، في وقت تزايد فيه الطلب على إيجار العقارات السكنية والتجارية؛ ما رفع الطلب على خدمات التقييم، التي يقدمها مزاولون قدامى في سوق توصف بأنها شديدة التأثر بالبيئة الاقتصادية والاستثمارية المحيطة..
ويرى المقيم العقاري إحسان طرابيشي أن الأزمة الجارية أضاعت بوصلة التقييم العقاري، ليس بسبب الظروف المرتبطة بها وحسب، بل أيضاً بسبب عقد الكثير من صفقات البيع والشراء إما بناء على تقييم افتراضي غير دقيق، أو بناء على اشتراط البائع لسعر محدد لا يبيع بأقل منه، وهنا يحسم المسألة بالدرجة الأولى حجم المعروض من العقارات والخيارات المتاحة أمام المشتري، مبيناً أن نسبة المتعاملين في السوق العقارية الذين يستعينون بخبرات المقيمين لا تتجاوز 25 بالمئة في حال البيع والشراء، و20 بالمئة في حال الإيجار.
ووفقاً لطرابيشي، فإن سوق التقييم العقاري ما زالت سوقاً ضعيفة، ولم تأخذ وضعها الطبيعي بعد، فعدد المقيمين في دمشق لا يتجاوز 300، وأن العشرات منهم مرخصون من قبل هيئة الإشراف على التمويل العقاري، أما عدد الذين يزاولون المهنة فعلياً، فهم أقل من 30 مقيماً، أغلبهم من المزاولين القدامى، الذين يدركون أهمية المهنة وطبيعة الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تؤديه.
دور استرشادي
ويبقى دور المقيم دوراً استرشادياً، فقد يقبل المتعاملان بسعر المقيم أو لا، فأحياناً يضع المقيم سعراً مدروساً ومحدداً، لكن أحد الطرفين يعده سعراً غير عادل.. ويعزى عدم قبول هذا الطرف أو ذاك سعر المقيم بالدرجة الأولى، إلى الرغبة بالحصول على تنازلات وكسر الأسعار، بالرغم من مراعاة التقييم لأدق التفاصيل، فمثلاً عند تقييم العقارات التجارية، فإن التصنيف يضع السعر الأعلى للبناء الأرضي، فالطابق الأول الفني، فالقبو، وعند تقييم شقتين، فإن ثمة محددات كالوجهة والشمس والإطلالة والارتفاع والمصعد وطبيعة التصميم والشرفات والعزل الحراري، وخلاف ذلك..
عند تقييم الإيجار للسكن المعد للبناء، فإن القيمة تحتسب بنسبة خمسة بالمئة من القيمة الإجمالية للعقار، فيما تحتسب بنسبة ستة بالمئة للعقار التجاري، أما عند إيجار المكاتب، فإن هذه النسبة تكون ستة بالمئة للأطباء والمهندسين والمحامين ومن في حكمهم، وثمانية بالمئة للمدارس الحكومية، وسبعة بالمئة للأبنية المؤجرة لمؤسسات الدولة للاستخدامات التجارية.
بوابة الإقراض
ويستشرف المقيم ماهر البزرة دوراً مهماً للمهنة في مرحلة الإعمار؛ لأنها ستكون البوابة التي سيدخل منها المستثمرون للحصول على القروض بضمانة العقار، واللازمة للانطلاق في المشاريع، مؤكداً أن تباشير جيدة بدأت تلوح في الأفق، إذ بدأت أسعار العقارات تتراجع في بعض المناطق، وإن بنسب ضئيلة، وذلك على خلفية عودة الأمان والاستقرار لعديد المناطق، مقدراً تراجع أسعار العقار قياساً مع العام الفائت بنسبة 20 بالمئة تقريباً.
تقييم دوري للضمانات
تعتمد المصارف على عمل المقيمين بشكل كبير، سواء لتقييم ضمانات بنكية جديدة أم للتوسع في ضمانات قائمة، حيث إن الضمان يجب أن يشكل 150 بالمئة من حجم القرض، وأن العقار بحد ذاته يشكل 40 بالمئة من قيمة العقار على الهيكل (على العظم)، و20 بالمئة من قيمته جاهزاً (مكسياً)، ودفعت متغيرات الركود والتضخم وتقلبات أسعار الصرف جهات التمويل لإجراء تقييمات دورية للأصول (الضمانات)، لمعرفة السعر الرائج في كل فترة، وتجري المصارف عادة إعادة تقييم لأصول الضمانات، عملاً باتفاقية (بازل 2).
معايير مهنية
تنظر هيئة الإشراف على التمويل العقاري إلى مهنة التقييم كمهنة مهمة ومنظمة وفق القانون رقم 8 لعام 2012، الذي حدد ثلاثة معايير للتقييم، هي أخلاقيات المهنة (النزاهة والأمانة وتضارب المصالح والسرية والحيادية والمسؤولية)، ثم طرق التقييم (البيوع المقارنة والتكلفة والدخل)، ثم الأسس والتقرير (خطوات عملية التقييم وإعداد التقرير)، وأن المقيمين المرخصين لمزاولة المهنة من قبل الهيئة هم من الممارسين، ومن حملة شهادات الهندسة المدنية والمعمارية والاقتصاد والحقوق، وتشترط الهيئة على المقيم ممارسة المهنة لديها لمدة سنتين قبل أن ينتقل إلى مقيم عام.
رائجة وعادلة
وفي موازاة انفلات وتضخم أسعار العقار وفوضى السوق، تصبح مشكلة الوصول إلى أسعار عادلة ومنطقية وقريبة من الأسعار الرائجة من أهم المشكلات، التي يجب أن تتصدى لها الجهات ذات الصلة بهذه السوق؛ ما يتطلب تحديد أسس التقييم للعقارات السكنية والتجارية والخدمية وغيرها حسب السعر الرائج في كل منطقة ومحافظة وفق معايير مدروسة ومنطقية للاستغناء عن العامل الشخصي والمزاجي للموظف الموكل إليه تقدير قيم هذه العقارات، البيع والشراء، لجهة استيفاء ضريبة البيوع العقارية المستحقة للمالية، أو لإعطاء ضمانات للمصارف عند إجراء عمليات الإقراض؛ ما سينهي حالات الفساد.
وتستهدف وزارة المالية الوقوف على تقدير دقيق إلى حد كبير لقيم العقارات بحسب موقعها الجغرافي، حيث يجب أن يختلف سعر العقار في المدن الكبرى عنه في المدن الصغرى، وفي المدن عن المناطق التابعة لها، وبين الشوارع الرئيسة والفرعية، والمناطق ضمن التنظيم وخارجه، ويصب في هذا الاتجاه المسح الشامل للعقارات، الذي تنوي الوزارة تنفيذه بالتزامن مع مشروع قانون البيوع العقارية، الذي سيعتمد على القيم الرائجة للعقار بدلاً من تلك المعتمدة في سجلات الوزارة، والتي لم تعد تناسب الأسعار الراهنة.
إلى ذلك..
التساؤل – التحدي سيبقى: هل يكفي صدور قانون لحل معضلات مزمنة كتلك التي تعاني منها السوق العقارية، وهل هو كافٍ لتغيير قناعة مالكي العقارات بالتعاطي مع العقار كسلعة شأنها شأن أية سلع أخرى، وهل ستدفع الضريبة هؤلاء المالكين للبيع، بعد أن يصبح الاحتفاظ بهذا العقار أمراً مكلفاً..؟!
أحمد العمار