تهديد أجوف
بعد شهرين من المهلة التي منحتها طهران للعواصم الأوروبية لتنفيذ وعودها بالتحرّك لاتخاذ موقف واضح من العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي استهدفت تجفيف الموارد المالية الإيرانية، وفرض عقوبات على مشتري النفط الخام الإيراني ومنتجاته، استأنفت إيران بشكل جدي المرحلة الرابعة من خفض التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، بتشغيل أجهزة الطرد المركزي في مفاعل فوردو، وبدأت عملية تخصيب اليورانيوم، ونقلت 2000 كيلو غرام من غاز سادس فلوريد اليورانيوم من مفاعل نطنز إلى مفاعل فوردو تحت رقابة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وكما كان متوقعاً أثارت الخطوة انزعاج القوى الأوروبية، التي ردت بخطوة تصعيدية تحمل طابعاً عدائياً، حين عمدت إلى التهديد بنقل الملف النووي الإيراني مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي، واستعدادها للنظر في كل الآليات المتوقّعة، لكن الرد الإيراني لم يتأخر بالتنديد بتقصير الأوروبيين، الذين ينتظر منهم التعويض عن الخسائر المترتبة على إيران بسبب العقوبات الأميركية، وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف: “طريق الحل السهل للولايات المتحدة والترويكا الأوروبية بأن يلتزموا بتعهداتهم، وسنعود بدورنا عن مسار إعادة التخصيب”.
إن ما قامت به طهران يندرج في الحفاظ على حقوقها التي كفلها الاتفاق، والخطوات المتدرجة التي اتخذتها منصوص عليها فيه، حيث بدأت بقرار تخطّيها حاجز 300 كلغ من اليورانيوم المخصب، بنسبة 3.67%، وأعلنت في الخطوة الثانية أنها لن تلتزم بمستوى تخصيب اليورانيوم المقرر في الاتفاق وهو 3.67%، حيث بلغت 4.5%، أما الخطوة الثالثة، فكانت مع تكليف وكالة الطاقة الذرية الإيرانية تغطية حاجة البلاد التقنية في مجال الأبحاث والتنمية.
ويرى محللون أن الخطوة الرابعة تثبت أن إيران مصرة على حقوقها النووية، وضمان مصالحها الوطنية، وأنها لم تخرج من الاتفاق النووي، وعلى عكس من ذلك هي من حافظت عليه، بعد أن ضربت به أمريكا عرض الحائط، وظلت متمسكة به لمدة عام كامل رغم الضغوط والعقوبات الأمريكية الرامية إلى إقناع طهران بالتفاوض معها تحت وطأة الحظر الجائر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تتخذ الأزمة منحى آخر أكثر تصعيداً من الجانب الأوروبي؟ وهو الذي حاول طوال الفترة الماضية التهدئة لإيجاد حل لمصالحه الخاصة، وبحيث يتهرّب من الضغط الأمريكي، ويجد متنفساً له في شراء النفط الإيراني، خصوصاً وأن سياسة الإدارة الأمريكية لم تحقق ما تريده من وراء إعادة التصعيد مع إيران والانسحاب من الاتفاق، ما يستدعي من الأوروبيين إيجاد مخرج لهم، وبالتأكيد لن يكون بنقل الملف إلى مجلس الأمن، وإنما تنفيذ التزامات الاتفاق الذي يحقق مصلحة جميع الأطراف.
صلاح الدين إبراهيم