ماكرون ودور أوروبا في الناتو
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع فالداي 17/11/2019
بقوله للايكونومست بأن الناتو يعاني من “موت سريري”، وأن على أوروبا تطوير قوة عسكرية خاصة بها، أثار ايمانويل ماكرون بتصريحه هذا مشكلة كبيرة، كما صرح أيضاً أن الرئيس ترامب لا يشاركه فكرة “المشروع الأوروبي”، وفوق ذلك كله، أضاف بأنه حتى إذا لم تتم إعادة انتخاب ترامب، فإن الاتجاهات التاريخية تتجه إلى تفكيك تحالف الناتو، مع وجود فجوة آخذة في الاتساع بين الولايات المتحدة وأوروبا،
لقد أثارت كلماته عاطفة قوية، وحتى مخاوف في العديد من البلدان الأوروبية، وبالنسبة لقادتهم، مازال الناتو حجر الأساس لأمنهم، وهم لا يرون أية حاجة لتغيير الوضع القائم منذ عام 1949، حتى بعد مرور 30 عاماً على سقوط جدار برلين، ولكن في الواقع فإن القادة الأوروبيين يخلطون بين رغباتهم والواقع، ويغضون الطرف عن ذلك، والسؤال: هل يمكن الوثوق في تحالف عندما يعلن رئيس الدولة القائدة له أنه عفا عليه الزمن؟ وما مدى قوة الضمانات الأمريكية عندما يقوم الأمريكيون بسحب قواتهم من سورية دون التشاور مع حلفائهم الأوروبيين أو تحذيرهم، والتخلي عن حلفائهم؟.
بالنسبة لماكرون، المشكلة ليست بترامب وحده، بل ذكّر بأوباما حين وضع خطوطاً حمراء في سورية ولم يفعل شيئاً في النهاية، وبحسب ماكرون كيف يمكن أن نثق إذاً بأن واشنطن ستنفذ المادة /5/ من معاهدة الناتو التي تنص على التضامن العسكري في حالة العدوان؟ لهذا السبب دعا ماكرون إلى الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا، ولهذا يريد استئناف المحادثات مع روسيا لإعطاء فرنسا وأوروبا مساحة أكبر للمناورة.
خلال الحملة الانتخابية في عام 2017، أشار ماكرون بنفسه إلى “ثبات قبائل بلاد الغال المقاومة للتغيير”، وهو ما يعني الدبلوماسية الفرنسية التقليدية التي تهدف، قبل كل شيء، إلى الحفاظ على استقلال فرنسا عن الولايات المتحدة، ووفقاً لهوبرت فيدرين، فإن فرنسا حليفة للولايات المتحدة، ولكنها ليست تابعة لها، وتعتبر الصين تهديداً استراتيجياً لواشنطن، وترى، أي فرنسا، أن العداء تجاه الصين ليس فقط وجهة نظر ترامب، إنها مسألة توافق في الآراء في واشنطن تجمع كلاً من الجمهوريين والديمقراطيين، ما يعني أن النظرية الاستراتيجية العصرية هي “فخ ثوسيديديس”، وبالنسبة للمؤرخ اليوناني فإن الحرب بين اسبرطة وأثينا كانت غير محسومة، حيث لم تقبل اسبرطة صعود أثينا، وكذلك الحال مع الولايات المتحدة والصين الآن، في الواقع، لم يعد السؤال ما إذا كانت الصين ستتجاوز الولايات المتحدة، ولكن متى سيحدث ذلك؟.. وبما أن الولايات المتحدة اعتادت أن تكون أعظم قوة في العالم منذ عام 1945، فإن هذا الوضع الجديد يغذي المشاعر والمخاوف والقلق في واشنطن.
ولكن في سياق الحرب من أجل الزعامة بين بكين وواشنطن، فإن الاتحاد الأوروبي ليس مجبراً على الانحياز لطرف دون آخر، وعليه أن يجد طريقة أفضل لحماية مصالحه الخاصة، وكذلك على أوروبا أن تتجنب الانقياد الأعمى لواشنطن، وعليها أن تكون الفاعلة في كتابة تاريخها، وألا تقف سلبية متفرجة.