هواجس الاتحاد الأوروبي الاقتصادية
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
الاتحاد الأوروبي خائف لأنه ليس موطن أكبر الشركات الصناعية الرائدة في العالم ويخشى أن يكون وراء ذلك الصين والولايات المتحدة، ويبدو أنه نتيجة ذلك الخوف يتجه نحو سياسة جديدة لخلق مناصرين وأبطال أوروبيين يسمّمون العلاقات مع الولايات المتحدة.
ووفقاً لـ مجلة “الايكونوميست” انخفضت حصة أوروبا خلال العقد الماضي وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية من أكبر الشركات في العالم بشكل كبير، ففي عام 2006 كانت 17 شركة من أصل 50 شركة رائدة في العالم أوروبية، وبحلول عام 2016 انخفض هذا العدد إلى سبع شركات فقط. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الشركات الأمريكية الكبرى مثل “غوغل” سيطرت على أرباح هائلة، وتربعت “أبل” التكنولوجية منذ عام 2012 حتى عام 2018 على قائمة الشركات الأكثر قيمة في العالم، وأمازون التي حقّقت أرباحاً خيالية وأعلى قيمة سوقية بالاستناد إلى التكنولوجيا العملاقة.
الشركات الكبيرة ليست قمة النمو الاقتصادي أو كل العمالة أو الابتكار التكنولوجي، وهي ليست النهاية لهذه السياسات الاقتصادية، إنما تجذب اهتماماً خاصاً على وجه التحديد لأنها كبيرة، وليس بالضرورة لأنها فعّالة، والتاريخ مليء بأمثلة على ذلك اعتباراً من الشركات الكبرى مثل “كوداك” إلى “جنرال موتورز” التي بقيت مهيمنة لبعض الوقت لكنها على الرغم من حجمها أثبتت بسرعة أنها عرضة للمنافسة.
لكن صنّاع السياسة في الاتحاد الأوروبي يخشون من أن تتخلف شركاتهم عن منافساتها في الولايات المتحدة والصين من حيث الحجم والنطاق أو تحقيق النجاح المرجو، ويخشون من أن تحدّد الشركات غير التابعة للاتحاد الأوروبي شروط السوق العالمية بطرق تلحق الضرر بمصالح أوروبا بشكل أساسي ودائم.
إن السبب الأساسي وراء وجود عدد أقل من الشركات الأوروبية الكبيرة هو أن نمو أوروبا خلال العقدين الماضيين من السنوات كان بطيئاً، وإذا كانت أوروبا تريد المزيد من الشركات الكبيرة عليها معالجة مشكلة النمو وليس خلق شركات عمالقة ذات سياسات اقتصادية مناسبة للأقزام.
وبدلاً من ذلك يبحث الاتحاد الأوروبي باختصار عن سياسة صناعية حديثة، وبدلاً من تغيير سياساته لتنمية وتطوير صلب الشركات الأوروبية الكبيرة يريد الترويج لها وإنشاءها من خلال عمليات الدمج، ويجادل بأنه يحتاج إلى شركات أكبر وربما احتكارية لمحاربة منافساتها العالمية.
كما أوضحت 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي في كانون الأول 2018 أن الهدف من ذلك هو تسهيل ظهور الشركات الصناعية العملاقة الأوروبية القادرة على مواجهة منافسة شرسة لشركات الولايات المتحدة والصين، وبالفعل استجابت المفوضية الأوروبية والخدمة المدنية للاتحاد الأوروبي لهذه الضغوطات بدعوتها إلى اعتماد سياسة صناعية حديثة.
لكن في واقع الحال فإن السياسة الصناعية في الاتحاد الأوروبي تعتمد على مغالطة أن بيروقراطيي الحكومات يتمتّعون بالحكمة الكافية للقيام باستثمارات جيدة وتجنّب الاستثمارات السيئة، لأن صانعي السياسة يعتقدون أن الصناعة المهمّة لا تعني أنه ينبغي السماح لشركاتها الكبرى بالاندماج، مع العلم أن ذلك قد يكون جيداً للشركات لكنه قد يكون سيئاً للسوق الحرة وبالتالي للمستهلكين.
إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى المزيد من المنافسة وليس الأقل منها، فالكثير من الحكومات الأوروبية تحمي مناصريها الوطنيين على حساب المنافسة الأوروبية الأوسع نطاقاً، وما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي هو أن تسمح الحكومات التي تتبع سياسات مؤيدة للنمو للشركات بالتوسع والمزيد من المنافسة بين الشركات في جميع أنحاء أوروبا. والمفارقة الأكبر لتذمّر الاتحاد الأوروبي حول الشركات الكبرى هي أن أوروبا قادت العالم في فرض ضرائب تمييزية على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبيرة.
إن موقف الاتحاد الأوروبي مليء بالنفاق، فعندما تكون الشركات الكبيرة أمريكية ينبغي أن تخضع للضرائب، ولكن إذا كانت أوروبية يكون مرحباً بها. ومن هنا يتعيّن على الولايات المتحدة أن توضح للاتحاد الأوروبي أن هذه الحجة يمكن استخدامها بسهولة لتبرير فرض الضرائب الأمريكية على الشركات الأوروبية الكبيرة، وأن هذه الضرائب غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة كما هي الحال في أوروبا، ولكن طالما أن الاتحاد الأوروبي يعتبر المنافسة الاقتصادية الأمريكية تهديداً على قدم المساواة مع الصين، فإن الضغط السياسي في الولايات المتحدة سيزداد من أجل الانتقام فقط.
إن السياسة الصناعية الحديثة في الاتحاد الأوروبي ستكوّن اقتصاديات سيئة إذا سارت على هذا النحو، فهي وسيلة سيئة لمواجهة المشكلات الحقيقية التي يطرحها نهوض الصين، والأسوأ من ذلك أن أي سياسة أوروبية تعتمد على اختيار فائزين أوروبيين يجب أن تخلق خاسرين أمريكيين ولا ينبغي أن تواجه الولايات المتحدة أي مشكلة مع الفائزين الأوروبيين، لكن سيكون لديها مشكلة واحدة في التعامل معها كسبب للفشل الاقتصادي في أوروبا.