السورية للتجارة بين التقوية والتقويض
تشكلت السورية للتجارة، إثر دمج عدة شركات سابقة، كان لها حضورها البارز خلال العقود الماضية، إذ كانت مراكزها محط إقبال شريحة كبيرة من المزدحمين على أبوابها وفي ردهاتها، ليتسوقوا حاجاتهم من المواد الاستهلاكية والأثاث المنزلي، لثقتهم الكبيرة بأسعارها المنخفضة، وموادها الجيدة، وقد مارست السورية للتجارة عملها قي مراكز الشركات السابقة، بل توسعت في إحداث الجديد، ولا زالت تحظى بإقبال شريحة من المستهلكين، ولكن الازدحام المعهود سابقاً لم يعد موجوداً حالياً، فنسبة كبيرة من المستهلكين تتسوق من منشآت القطاع الخاص، نظراً لتلمسهم فارق السعر القليل لبعض المواد، وانعدامه لمواد أخرى، بل زيادة عن سعر السوق في بعضها الآخر، مع غياب الفاتورة في بعض المراكز، واستثمار القطاع الخاص لبعضها الآخر؛ ما تسبب في توجيه الكثير من النقد الذي يقترح الإصلاح أو الإلغاء.
لقد أوردت الصحف المحلية خلال الأشهر الماضية، عدة آراء حول السورية للتجارة، فقد وصف رئيس مجلس الوزراء / خلال اجتماع في شهر حزيران الماضي / السورية للتجارة بأنها الذراع الأقوى في السوق، ولكنها لم تخلُ من الفساد، فقد جندت نفسها لخدمة بعض مستوردي المواد الغذائية من رجال الأعمال، مبيناً أن خسارتها وصلت إلى / 40 / مليار ليرة، وفيها / 200 / مليون ليرة مواد منتهية الصلاحية، وطالب بلجنة موسعة لإعادة هيكلة المؤسسة، وتقرر تخصيص / 25% / من مستوردات القطاع الخاص الممولة من المصرف المركزي للمؤسسة السورية للتجارة، وزيادة منافذ البيع التابعة لها، لتمكينها من التدخل بشكل أكبر في الأسواق، وتم تخصيص / 4 / مليارات من حساب لجنة إعادة الإعمار، لجهة التوسع الأفقي في صالاتها. وقبل شهرين صرح مديرها العام أن مبيعاتها السنوية تجاوزت / 60 / مليار ليرة، والطموح بتجاوز هذا الرقم في السنوات القادمة، وكل ما يشاع بأن أسعارنا تماثل السوق هي مجرد إشاعات للتأثير على نشاط المؤسسة، لكونها أصبحت منافسة في الأسواق، وأفاد أنه قد تقرر منح قروض من جميع المصارف العامة لشراء سلع أساسية غذائية بدون فوائد، وقرض لشراء سلع معمرة من التسليف الشعبي، بفائدة 7%، وقبل شهرين قرر مجلس الوزراء توسيع نطاق عملها، وزيادة عدد منافذ البيع التابعة لها في جميع المحافظات، لتصل إلى / 3000 / منفذ خلال ثلاثة أشهر، وخلال هذا الشهر صرح السيد الوزير أنه قد تم التوسع بمراكز السورية للتجارة وتأمين سيارات بيع جوالة، وتم رصد / 600 / مليون لأتمتة مستودعات السورية للتجارة.
واقع الحال يظهر أن نشاطها يشكو من فساد وخسائر باعتراف رئيس الوزراء، كما قال أحد أعضاء مجلس الشعب لا يمكن التوقع بضبط الأسواق أو تدخل إيجابي فعال لتحسين الأسواق، بمؤسسة مخترقة وضعيفة كالسورية للتجارة، وأحد أعضاء مجلس محافظة دمشق أشار – في دورة أيلول الماضي – إلى عدم فعالية صالات السورية للتجارة؛ فأسعار بعض موادها أغلى وذات نوعية رديئة، وطالب بتشكيل لجنة للوقوف على واقعها، وتركزت مداخلات الأعضاء في الجلسة الثالثة لدورة هذا الشهر حول ضعف أداء السورية للتجارة، حيث باتت صالاتها تعرض البضائع السيئة بأسعار أعلى من السوق، فمنتجو المواد الجيدة يرفضون بيعها للسورية؛ لأنها تطلب منهم حسماً كبيراً على سعر المبيع، وهذا الحسم يعود لجيوب الموظفين، فهل هذه المؤسسة تعمل لمصلحة المواطنين أم لمصلحة العاملين فيها.
يبدو أن المتنفذين في إدارتها جندوا أنفسهم لصالح تقاسم جزء من الأرباح مع المستورين وتجار الجملة والمنتجين– عبر لجان المشتريات – ما يؤدي لرفع فواتير الشراء ورفع سعر البيع، على حساب المستهلك لكثير من المواد، ولو أنصفوا لاستطاعوا تأمين جميع المواد بسعر الجملة للمستهلك، فحجم المشتريات الكبير- من جميع المواد – لدى السورية للتجارة يخولها الحصول على مواد من المنتج أو المستورد مباشرة، بأقل من أسعار تجار الجملة، إضافة لحسومات وهبات لقاء ذلك، قياساً بجميع تجار الجملة الذين يحصلون على أسعار أقل وعلى حسومات وهبات من المنتجين والمستوردين، تتزايد بمقدار تزايد حجم مشترياتهم، ولكن المعنيين في السورية للتجارة يتقاسمون ذلك من وراء الجدار، ويسجلون أسعار المواد على الفواتير بأعلى من المدفوع فعلاً، وهذا حال أغلب لجان المشتريات، ولو خف الفساد لانخفضت الأسعار وازدادت المبيعات وازداد الربح.
السورية للتجارة حاجة وطن ومواطن، وتقويتها تتم من خلال العمل على استقامة عملها، من خلال مجمل إجراءات سريعة حثيثة ومدروسة، لا بالتغطية على مفاسدها الخطيرة وقبول خسائرها الكبيرة، أما تقويضها بحجة فسادها وخسارتها، فلا يقل خطراً عن تقويتها مع الحفاظ على فسادها وخسائرها، فهما أمران أحلاهما مر؛ ما يوجب تجاوز الأمرين سريعاً، وإصلاح الحال بما يضمن استمرار توسيع عملها، وبأسعار مواد تقارب سعر الجملة في السوق وذات نوعية جيدة، وأن تضع المؤسسة خطة لتشغيل جميع صالاتها لحسابها وتخفيض مجمل نفقاتها، وتحفيز عمالها بزيادة حوافزهم لا بازدياد عددهم.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية