قيم في الزيادة
لطالما شكل ملف إصلاح الرواتب والأجور هاجساً مزمناً لدى صناع القرار؛ لأنه الامتحان الحقيقي لشطارة الدولة بحملها الاقتصادي الثقيل في دغدغة أكثر القضايا حساسية عند المواطن، وبنفس الوقت يعد الميزان الحقيقي على الرفاهية والانتعاش التنموي الذي تنشده الدول في سياساتها الهادفة إلى تطوير الحياة المعيشية والاجتماعية، حيث تتربع مسألة رفع مستوى الدخول في صدارة الأولويات عند الفرز وتصنيف الدول المرتاحة من المتعبة في المردود المالي لأبنائها.
في الرواية السورية ثمة مواجع وتقلبات شهدها موضوع التعاطي الحكومي مع سلسلة رواتب العاملين والموظفين إن كان في القطاع العام أو الخاص وحتى المشترك والمنظمات الشعبية، فمع الشعور الدائم خلال الفترات السابقة بعدم الرضى عن مستوى الدخل الذي لم يتناسب مع الارتفاع الهائل في الأسعار، إلا أن تحولات جوهرية أصابت الأجور خلال سنوات الإصلاح الاقتصادي والتطوير الإداري حتى في زمن الحرب حيث لمراسيم الزيادة والمنح على الراتب رصيد ليس بالهين، وتكللت بالأمس بمرسوم السيد الرئيس رقم 23 للعام 2019 القاضي بزيادة 20 ألف ليرة سورية على الرواتب والأجور الشهرية للعسكريين والمدنيين، بعد دمج التعويض المعيشي الحالي مع أساس الراتب المقطوع ليكون جزءاً منه، والمرسوم التشريعي رقم 24 للعام 2019 القاضي بزيادة 16 ألف ليرة سورية لأصحاب المعاشات التقاعدية من عسكريين ومدنيين.
ويبدو أن خطوة من هذا القبيل تردم الهوة بين القدرة الشرائية والأسعار التي تسعى الحكومة لتجاوزها بشكل أوتوماتيكي، وبحكم الإجراءات والتحركات المنصبة بهذا الإطار.
طبعاً لا يمكن لأحد أن يقنع بسقف محدد للرواتب؛ لأن المسألة مرتبطة برغبة آدمية مشروعة، وطموح مرتبط بالمزيد، ولكن المشكلة في الملاءة وتوافر الموازنات المالية القادرة على الدفع بهذا الاتجاه، وهنا مربط الخيل إذ لطالما وقفت الحكومات عاجزة عن تلبية طموحات الناس لعدم وجود اعتمادات وبنود تسمح بزيادة ما أو منحة أو حتى مكافأة تصرف لمرة واحدة.
هو إنجاز جديد ضمن سفر من الإنجازات التي تتطلبها حاجة المواطن والمستهلك لقدرة شرائية تواكب الأسعار وتحليق الدولار، عسى أن يكون التجار على قدر المسؤولية الوطنية والأخلاقية بعدم رفع الأسعار أكثر مما هي مرتفعة ومتعاظمة قبل هذه الزيادة الميمونة.
وبالعموم مهما تعددت التسميات وتوصيفات الخطوة المتعلقة بزيادة الرواتب، فإن المهم وفي هذا التوقيت البحث عن كل ما يدفع إلى تعزيز مناعة المواطن ودعم صموده في مرحلة نهايات الأزمة وما يتخللها من تداعيات وتقلبات.
علي بلال قاسم