“مابيننا”.. عن الحرب والحب في زحمة الموت
في روايتها الأحدث تقدم لنا الروائية هدى وسوف صاحبة: (ندوب في الذاكرة، وتفاصيل الغياب، وأنين المدى) وغيرشها، عملا روائيا على غاية من الأهمية، على امتداد 158 صفحة من القطع المتوسط- دار الينابيع– دمشق -2019. تكتب هدى مسرودة روائية تدور حول الجميلة (نسرين) التي تباهي المرايا بحبها لمدرس الإنكليزي الذي أوهمها أنها هي الحياة وهي الحبّ لاشيء قبلها، وبعدها لاشيء أيضاً، لكن صورة من صور الإغواء المالي تأتي على حبه فتقوّض كل شيء، وكأن ذلك الحبّ بسنواته المديدة، ولحظاته اللاهبة، وأشواقه البهيجة كان عريشة قصب، وحين هبت عاصفة الإغواء المادية اقتلعتها من جذورها، فانمحى كل شيء. هذه مسرودة حبّ شفيف، تعلوها طيوف الروح الأنثوية التي جمعت خيوطها الكاتبة لتكون في قراءة أولى قصة حب شبوب بين اثنين غارقة بالآلام الجارحة، ولتكون في قراءة ثانية قصة حب وتعالق أبدي بين اثنين أيضاً هما الناس والأرض في زمن حرب أكول متوحشة، وكلاهما المرأة في قصة الحبّ الشارق بالنداوة والصدق، لاتنحني والأرض في وقت الحرب الظالمة، وما عرفته وعاشته من دمار وأذيّات، لاتنحني، بل هي القادرة أبداً، على خلق نورها الأزلي، وجمالها البهّار.” ص 12 الروائي د. حسن حميد.
في رواية “ما بيننا” سنجد اختلافا لما قدمته الكاتبة من سابق رواياتها من حيث السرد واستخدام الضمائر كضمير الغائب والمتكلم والمخاطب الخ. ومن حيث التكنيك والاشتغال بتقنيات وأدوات روائية جديدة تضفى على السرد روح الرواية الحديثة، ومن حيث اللغة نحن أمام نص روائي يرفل بثوب اللغة المتشبعة بروح الحداثة والمنحازة إلى الشعرية، دون أن يكون هذا الجمال اللغوي العذب على حساب الاشتغال على الحدث الروائي كحدث روائي ينتمي لذاته، سنجد تفتيتا بسيطا هنا وهناك ومن ثم العودة إلى الاشتغال عليه كبناء من حيث أن الشخصيات المحورية ستتماهى مع الحدث الروائي وصيرورة وسيرورة البناء الروائي. ومن حيث التشظي والاشتغال على السرد بتقنيات عالية تثبت جدارة الأديبة هدى وسوف على أن تكون من الأسماء الروائية اللافتة والهامة في المشهد الروائي السوري المتقدم جدا في عالم الرواية العربية، إضافة إلى الانزياحات اللغوية التي هندست الكيان العام للرواية من حيث الاختزال والبعد كل البعد عن الترهل وعن الفائض من الذهاب في أرجوحة المخيلة الأدبية. بصمة جديدة تضاف للمشهد الروائي السوري المتطور جدا. (آن أوان الكتابة الآن، آن أوان انفتاح الجرح واندياح الوجع المعتق في خواب لم يمسها النسيان، إنه وقت للحزن بامتياز، ولطالما كان الحزن أكبر دافع للكتابة، في رأسي تدور عشرات الأفكار وأحاول التركيز، أحاول الربط بينها وبين العمل على تشذيبها، فقد مضى وقت ليس بقليل على آخر سيناريو كتبته مما يشعرني بالتقصير وعدم الرضى عن ذاتي). ص 17.
عدة شخصيات نطالعها في هذا النص الروائي المنسوج بتعب الذاكرة وبالقدرة على البوح عن شخصية الحبيب الخائن الذي يعذب حبيبته بطريقة فيها الكثير من المكر والخداع، والالتفاف بكثير من وجع الخديعة حين يوهم محبوبته بالمستقبل المشرق لحبهما. “خجلت أن أطلب من سومر أن يسأل العرّاف عن نهاية قصتنا. عند نقطة من حديثه، توقف سومر عن الترجمة وشعرت بغصته، عندما تنحنح وابتلع ريقه، وقال من دون أن يتطلع إلي، يقول العرّاف، إن في حياتك قصة حب أثرت بك كثيرا وحفرت بداخلك عميقاً. ص 140- تنسج الروائية هدى وسوف مغزال روايتها من الوجع والجرح والواقع بخيال يحتفي بذاته. بشخصيات من لحم ودم طحنت أحلامها الحرب القذرة والشرسة. التي أفرزت أزمات حتى على صعيد الحب الذي هو أسمى الحالات الإنسانية وأنبلها وأرقاها.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا. هل نسرين بطلة هذه الرواية أنموذج لقصص الحب التي حدثت في سنوات الحرب الطويلة. برأيي أن قصص الحب التي حدثت أثناء الحرب والتي ستحدث بعدها هي قصص حب واحدة، ربما لبعضها في الحرب حالات استثنائية نادرة. سنكون أمام الحدث الهام ولعّله الجوهر حين تكون الأخت مربية لشقيقها الصغير الذي لم ير أمه، وهو لايعرف أن من تربيه هي شقيقته وليست أمه. هذا حصل في الحرب. لكن ماذنب تلك الشقيقة التي أحبت وأخلصت لحبيبها الذي اعتقدت أو ظنت أنه يبادلها ذات المشاعر، لكنه يتنكر لحبها، ويتزوج غيرها. تنتهي الرواية بل تنهيها الروائية بهذه الجمل: “كان الألم بداخلي يوازي في ضخامته ذاك المارد العملاق، ومثله اتخذت قراري بعدم المسامحة، وعدم الغفران، وعدم الانتظار، اتخذ ماردي قراره بإغلاق الباب في وجهك وإلى الأبد، فإياك أن تفكر بالعودة في أي يوم من الأيام القادمة.” ص 158.
أحمد عساف