يخافون على مستقبلهم فنانو الألوان.. أعباء مادية مؤثرة في مسيرة إبداعهم وأعمال تجمع بين الموهبة والدراسة
منذ بدء خليقة الإنسان والفن مرافقه ومؤنسه في لحظات وحدته وخلوته، فكان أجدادنا الأوائل يعبّرون عن مكنوناتهم بالرسم على جدران الكهوف، أو من خلال تكوين تشكيلات فنية خالدة في الذاكرة، فمن منا لا يرغب باقتناء عمل فني في منزله، أو يطمح بتمثال صغير يزيّن مكتبه، لا يمكننا إلا أن نبارك بالفن ولوجوده في حياتنا، ونهنىء الأنامل القادرة على تحويل قطعة صغيرة من الورق إلى أجمل عمل فني على الإطلاق، ولكن في الوقت الراهن أصبحت للفن مشاكله ومعوقاته التي تؤرق الفنانين وتنغص يومهم، فلا يمكنهم الترويج للوحاتهم بالشكل الذي يليق بهم، وكأن الفن أصبح ترفاً ومن كماليات الحياة.
آراء متناقضة
أبدى طلاب كلية الفنون الجميلة بسنواتها الأربع آراء متناقضة حول واقع الكلية، وتلبيتها لطموحاتهم، وصقلها لمواهبهم، بعض الطلاب مدح الكادر التدريسي، وتخريج الكلية كل عام جيلاً أكاديمياً موهوباً، والبعض الآخر أظهر امتعاضه من ساعات الدوام المتواصلة، والتكلفة العالية، والجهد البدني الكبير، حيث أكدت مرح، طالبة في السنة الرابعة: فرص العمل كثيرة ومتنوعة، ولا تقتصر على اختصاص معين، فيمكن لخريج أي قسم العمل ببقية الأقسام، وبالتأكيد بإمكان الشخص الموهوب أن يجد عملاً يناسبه ويتناسب مع إمكانياته.
في حين خالفتها الرأي سماح عز الدين، طالبة في السنة الرابعة: لا تكفي الموهبة في كلية الفنون الجميلة، فأنت بحاجة لتطوير مهاراتك باستخدام الحاسوب، والخضوع لدورات مثل: (فوتوشوب، ماكس واتوكاد)، وفي الفترة الأخيرة أواجه صعوبة بتنظيم وقتي بين الدوام الإلزامي للجلسات العملية والنظرية، والخضوع لهذه الدورات، ناهيك عن التكلفة المادية لهذه الدورات.
ولطلاب السنة الأولى الحصة الكبرى من الانتقادات التي تنوعت بين سوء التنظيم والإدارة، وبين التكاليف العالية جداً وغير المنطقية حسب قولهم.
سليم الصايغ، طالب سنة أولى، نوّه إلى أعداد طلاب السنة الأولى الكبيرة، وأن أغلب القاعات في الكلية صغيرة ولا تتسع للجميع، وصعوبة تنظيم الطلاب ضمن الفئات.
وبدوره أشار محمد هادي القاوقجي إلى التكلفة العالية للألوان، وصعوبة الحصول عليها أيضاً، على الرغم من وجود ألوان بتكلفة أقل وجيدة نوعاً ما.
أما الطالبة مريم أبو ذراع فتعتقد أن مستقبل خريجي كلية الفنون الجميلة محدود للغاية، وبحاجة لجهد ووقت طويل ودعم مادي مستمر، وأن الخيار المتاح أمامها في قطاع التعليم فقط، وهذا يحد من إبداعها.
وشاركتها الرأي الطالبة إسراء لتقول لنا: في الوقت الراهن الإمكانيات المادية عائق كبير أمام طموحاتي، والمجتمع بشكل عام لا يقدر الفن ولا يعطيه حقه، لذلك هناك الكثير من الخريجين الذين يعملون بمجالات مختلفة وبعيدة عن شهادتهم الجامعية.
إبداعهم مقيد
لم تعد للفنان التشكيلي مساحة للتعبير تتناسب مع إبداعه، فهناك الكثير من العقبات التي تحد من ازدهار فنه، وتنميته، وإبرازه في مجتمعنا كباقي الفنون.
التقينا بعدد من الفنانين الذين عبّروا عن هموم ومشكلات الفن التشكيلي بشفافية وصدق، وكان للفنانة مروة عبد الرزاق رأيها فتقول: المشكلات التي تواجهني خلال تجهيزي لمعرضي هي نقص المواد من ألوان ولوحات بشكل كبير، أو حتى تواجدها بأسعار غالية للغاية، أو بنوعيات سيئة لا تليق بعمل فني، وأعتقد أن ثقافة المجتمع العربي بشكل عام قليلة وضحلة بالنسبة للأعمال الفنية، لذلك نادراً ما ترى شخصاً شغوفاً للفن وقادراً على تذوقه.
ولن ننسى قضية صالات العرض المزدحمة غالباً، والتي تربك الفنان ليحظى بموعد يناسبه، أما بالنسبة لزوار المعرض فأغلبهم يقتني اللوحات حسب معايير غير فنية، وقد يختار لوحة لتتناسب مع أثاث منزله فقط.
وبالنسبة لأسعار اللوحات فإنها تعود لشهرة الفنان وسمعته، ولكن للأسف هناك الكثير من المبدعين، لوحاتهم تشترى بأسعار رمزية لتباع لاحقاً بأضعاف سعرها الحقيقي.
وكذلك الفنانة سحر سعيد شرحت أهم العقبات التي تواجهها أثناء تحضيرها لمعرضها بعدم توفر مستلزمات الرسم، وغلاء أسعارها، وكذلك صعوبة إقامة معارض للمبتدئين، ونقص التغطية الإعلامية للفن بشكل عام.
وأكدت سعيد أن الظروف المادية والانشغال بتأمين ظروف الحياة لا تدع مجالاً لترف الثقافة والفن، لذلك فإن إقبال الناس على المعارض الفنية منخفض جداً، أما المردود المادي فمن المفترض ألا يهم الفنان كونه يشبع موهبته، وليس هدفه الكسب المادي، ومن ناحية أخرى في ميدان العمل الموهبة لا تكفي وحدها، فالدراسة مهمة جداً، ولا يمكن لأي موهوب أن يكون فناناً.
بين كلية الفنون الجميلة والاتحاد
لكل مهنة اتحاد أو نقابة تعمل على رفع مستوى المنتسبين إليها ثقافياً واجتماعياً، وتمكين وجودهم في المجتمع، وتحسين بيئة عملهم، وكان لاتحاد الفنانين التشكيليين منذ تأسيسه دوره الفعال في دعم الفنانين المنتسبين إليه، سواء كانوا من خريجي كلية الفنون الجميلة، أو أفراداً حاصلين على شهادات أخرى، لكنهم يملكون ملكة الإبداع.
وقد أكد إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين على هذه المهام المنوطة بالنقابة، حيث قال: “إن اتحاد الفنانين التشكيليين يدعم المنتسبين إليه من خلال تأمين صالات لإقامة معارضهم بشكل مجاني، وتوجد في دمشق صالتان للعرض، كذلك فيما يرتبط بالترويج للمعارض بوسائل الإعلام المختلفة، ودعم الأعمال الفنية المتميزة، وتسليط الضوء عليها، أما عن دور الاتحاد فينشط حركة الفن التشكيلي بشكل عام، وينشر الذائقة الفنية بالمجتمع.
العلم والفن
الدكتور محمد ميرة أستاذ في قسم النحت كان له رأيه الخاص في العلاقة التي تربط بين الفن التشكيلي بفنونه المختلفة والدراسة العلمية الجامعية، حيث أكد على أهمية قسم النحت، ودوره في تخريج فنانين قادرين على إنتاج العمل الفني النحتي المختلف، سواء من المواد المعدنية، أو الخشبية، أو الطين، أو المواد الحديثة مثل اللدائن، لكنه أبدى امتعاضه من طلاب القسم كونهم يملكون أدنى العلامات من خلال عملية الفرز، ونتيجة لذلك معظم طلاب قسم النحت لا يملكون قدرات تؤهلهم لتشكيل عمل فني ناضج تشكيلياً وفنياً، لأن الرغبة أساس النجاح، والدوافع الذاتية مفقودة نوعاً ما لدى طلابه رغم حثه المستمر لهم للإبداع والتميز.
وأشار ميرة إلى قلة الكادر التدريسي بقسم النحت، ما يضعف من سوية القسم مقارنة ببقية أقسام الكلية، وحتى طلاب الدراسات العليا غير قادرين على حل هذه المشكلة لأنهم ضعاف بالجانب العملي، ولا يمكنه الإشراف على جلسات العملي لطلاب السنوات المختلفة.
أما رئيس قسم العمارة الداخلية الدكتور حسام دبس وزيت فعزا إقبال أغلب الطلاب على هذا القسم كونه تخصصاً مهنياً نوعاً ما، وبسبب الاعتبارات الاجتماعية، فالبعض يطلق على خريج قسم العمارة الداخلية اسم مهندس الديكور أو مصمم، وبشكل عام ثقافة المجتمع للفن ضعيفة جداً، ولا يوجد وعي بالتخصصات الفنية، واهتماماتها، أو ارتباطها بالإنسان، ونحتاج إلى دعم كبير لدمج الفن بالمجتمع، وتقديم الفنانين بالشكل الأجمل.
الإبداع
وهكذا يكون فننا التشكيلي في دوامة من العقبات والمشكلات التي تحتاج لجيل من الموهوبين القادرين على إنقاذ شغفهم وحسهم الفني لينجوا بما تبقى لديهم من الإبداع والخلق الجميل.
يارا شاهين