قانون الغاب
عندما يعرب المبعوث الأمريكي الخاص بالشأن السوري جيمس جيفري عن ثقته بأن سيطرة بلاده على حقول النفط في سورية لا تخرج عن نطاق القانون الدولي.. وأن عائدات هذا النفط تعود حالياً لعناصر من الشعب السوري… !، فهو يتجاهل تجاهلاً فظاً أن الوجود الأمريكي في سورية هو وجود احتلالي غير شرعي يتعارض مع القانون الدولي من جهة، ويكذّب الرئيس الأمريكي الذي قال بعظمة لسانه: إن بلاده تجني شهرياً ملايين الدولارات من عائدات النفط السوري.
وقد يبدو هذا تناقضاً بين المبعوث والرئيس، لكنه تناقض يجد حله، بكل بساطة في ما سبق أن قاله مايكل بنس نائب ترامب من أن “الولايات المتحدة لن تسمح بسيطرة النظام السوري على حقول النفط في شمال سورية”. ذلك أن استعادة الدولة الوطنية السورية سيطرتها على ثروتها النفطية يعني استعادة واحد من أهم مصادر قوتها الاقتصادية، وهو ما تخشاه أمريكا “وإسرائيل” وغيرهما من أعداء المقاومة، ولولا هذا الهدف لما غامرت الولايات المتحدة بوجود عسكري، ولو محدود، في سورية. ومن الواضح أن هذا لايتناقض مع شهية ترامب المفتوحة للنفط، وهو قالها بكل صراحة: “أنا أحب النفط”، فهذا الأخير يدر عليه الملايين، وهي معبود الرئيس الأمريكي…
ما يثير حفيظة المتابع لأقوال بعض المسؤولين الأمريكيين أنهم لا يكتفون بالإعلان عن جرائم إدارتهم بحق غيرهم من الدول والشعوب، بل يزيدون الطين بلة بالإصرار على أن ما يرتكبونه لا يتعارض مع القانون الدولي، والاستيلاء بالقوة على النفط السوري ليس سوى أحد الأمثلة على مدى احترام واشنطن لهذا القانون..!. وها هي إدارة ترامب تعتبر أن المستوطنات الصهيونية لا تتعارض مع القانون الدولي في انتهاك صارخ لهذا القانون الذي يعتبرها مستوطنات غير شرعية، ولا ننسى أن هذه الإدارة كانت قد اعترفت بالقدس عاصمة لكيان العدو، ونقلت إليها سفارتها، كما أقدمت على الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان العربي السوري المحتل…
وكل هذا لا يعارض القانون الدولي في نظر الإدارة الأمريكية لأنها، وبكل بساطة، لا تقيم أي وزن لهذا القانون، بل يمكن القول: إن القانون الدولي لم يشهد انتهاكاً سافراً حتى من قبل الإدارات الأمريكية السابقة كما شهد على يد إدارة ترامب، مما قد يبدو للوهلة الأولى دليل غطرسة وإفراط في تغليب منطق القوة، لكن القراءة العميقة والمتأنية تؤكد أنه دليل على أن النظام الأمريكي يعاني من تناقضات داخلية حادة، ويمر بأزمة خانقة تتمظهر بهذه المكابرة الأمريكية، والإصرار الأمريكي الأرعن على تجاهل التغيّرات الدولية التي تشير إلى نهاية نظام القطب الواحد، واحتضار الهيمنة الأمريكية على العالم، وفي هذا الإطار نرى استشراس الوحش الأمريكي للحفاظ على هيمنته بكل الوسائل والأساليب الغليظة والناعمة…
وأما القانون الدولي، فهو غير موجود أصلاً في عقلية عدوانية يسكنها قانون الغاب، عقلية لا طريق للتغلب على مفاعيلها إلا التصدي والمقاومة.
محمد كنايسي