“إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث” ندوة تلبي احتياجات ثقافتنا الوطنية
للحداثة وجوه متعددة لاتقتصر على جانب واحد من جوانب حياة الفرد والمجتمع، إنها عملية تتسع لتناول الاقتصاد والسياسة والنظام الاجتماعي بأسره، وتتشابك الحداثة مع مسيرة التحديث لهذا كان من السهل الوقوع في خطأ الخلط بينهما، إلا أنه من المهم بمكان أن نفرق بين حركة العلم والتكنولوجيا، وهي التي أدت إلى بلورة المجتمعات الصناعية المتطورة ومجمل التحولات التي أدت إلى انتشار الحداثة. من هنا تأتي ندوة “إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث” –ضمن فعاليات يوم وزارة الثقافة- بمحاورها المتنوعة المتعددة تلبية لاحتياجات ثقافتنا الوطنية، وفي كلمة المشاركين التي ألقاها محمد الحوراني قال فيها:
في دمشق حاضرة الجمهورية العربية السورية وفي واحد من أهم الصروح الثقافية والمعرفية نجتمع اليوم لنؤكد أن الثقافة كانت ولاتزال وستبقى ذاكرة الوطن، في دمشق نجتمع لنؤكد ضرورة تجديد الخطاب الثقافي والفكري والأدبي والفني، مع ضرورة التمسك بثوابتنا الوطنية الراسخة، ذلك أن البطولات الأسطورية لجيشنا العربي السوري، ونحن على أبواب إعلان النصر الكامل جديرة بأن نفرد لها المساحة الكبرى من خطابنا الثقافي والمعرفي”.
الحضارة والحداثة
وجاء المحور الأول من الندوة تحت عنوان “الحداثة والثقافة” وأدار الجلسة د.نذير جعفر، وبدأ د.عاطف البطرس بالحداثة قطيعة معرفية مع أنماط التفكير القديم حيث قال: الحداثة لم تخرج من العدم بل من التراكمات التاريخية التي تجلت في فترة ما، الحضارة والحداثة ليستا وليدتي منطقة واحدة من مناطق العالم، هي محصلة تلاقح ونتيجة عملية تشاركية تفاعلية سببها انفتاح الغرب على الشرق ومزج ثقافة الشرق بما أنجزه الغرب.
المسألة إذاً ليست في الجغرافيا إنها حركة التاريخ والجهد الإنساني لكن في خضم السيطرة الأوروبية أصبح مسار التاريخ الأوروبي مسارا لتاريخ الثقافات، وتاريخ العالم لم يلد من أوروبا، وكأنه قبل ذلك لا يوجد تاريخ وثقافات وشعوب. الحداثة ليست مجرد انتقال زمني من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، إنها انفصال وعي يقوم على قطيعة معرفية مع فكر العالم القديم، والجوهر الفلسفي للحداثة يتمثل في مفهوم مركزية الإنسان والمرجعية لما تمثل من استقلال للفرد ونمو الذاتية التي تشكل أساس وعيه، وكذلك النزعة العقلانية التجريبية في مجال المعرفة والتقدم، والحرية في مجال التاريخ والمجتمع، والقطيعة هنا لا تنفي التراكم المعرفي وإنما تقطع مع أنماط التفكير القديم.
التغيير الثقافي
وبدأ محمد الحوراني محاضرته عن الثقافة ودورها في عملية التغيير والنهوض بعدة أسئلة: ماذا تريدون منا ياأرباب الثقافة وقادة المجتمع؟ أتريدون منا التغيير والاقتناع بما تذهبون إليه، أم تريدون أن نكون كالتابع الأعمى لكم؟ لماذا تدعوننا إلى الوحدة والتضامن وأنتم لاتجمعون أمركم بصدق على شيء، ولا تتحدون بمواجهة قضية لطالما انتظر الشعب موقفكم المبدئي منها بفارغ الصبر؟
أهل الثقافة هم القادة الحقيقيون لمسارات الشعوب، وإذا ما كان الحكام هم من يحكم الشعوب فإن المثقف هو من يحكم هؤلاء الحكام، وكان لابد من ثورة مفاهيمية تغييرية في الكثير من المفاصل والمؤسسات الثقافية في بلدنا تطيح بكل الأسس البالية التي لطالما قيدت الأفكار والمفاهيم الوطنية الأصيلة.
المشهد الثقافي بأمس الحاجة إلى التغيير والارتقاء به، ذلك أن تقدم المجتمعات مرهون به، تغيير لايقتصر على المساجلات والمناكفات الأدبية والفكرية هنا وهناك، وإنما يضمن مشاركة الجميع ولاسيما الشباب في التحديث من خلال فتح نوافذ الإبداع والتفكير النقدي البناء، وتعميم ثقافة الحوار والاختلاف والاستعداد للقبول بالرأي الآخر على قاعدة أن الرأي الواحد لا يبني وطناً.
حالة تميز
وعن دور المثقفين في نشر الحداثة تحدث رئيس اتحاد كتاب العرب مالك صقور: من المفارقات التي يجب ذكرها أنه منذ حوالي نصف قرن يطرح مفهوم الحداثة الذي لم يأت من فراغ وهي كلمة حاسمة لكنها مربوطة بتعاريف قابلة للتغيير، وقد استخدم المصطلح نظيرا للرومنسية لتوحي بالمزاج العام الذي يعتري فنون القرن العشرين. القديم هو الحداثة عند بعض المعاصرين، وهذا يعني أن يكون التأويل من خلال الصراع بين القدماء والمحدثين بمعنى مد جسر بين القديم والحديث، وفي النهاية الحداثة حالة متميزة من الإبداع وهي صفة مقترنة به حتماً والحداثة تعني الحرية والتجديد.
التفكير الحداثي
وفي محور “الحداثة والفكر” أدار الجلسة د.عاطف البطرس وبدأها د.هاني الخوري بعنوان “طرائق التفكير الحداثية في العقل العربي” قال فيها: لقد تطور التفكير في عالم الحداثة بشكل واسع باتجاه التفكير المنطقي والعلمي والتفكير النقدي والتحليلي والتفكير وفق السياق التاريخي بما دعي التاريخانية والمعقولية التاريخية ومن هنا انطلق عصر التنوير في أوروبا وأدى إلى إعادة فهم العالم وقراءة التاريخ والعلوم. ومن طرائق التفكير الحداثية في العقل العربي: التفكير التحليلي وتطوره في العقل العربي، والتفكير النقدي واصطدامه بالعقل التقليدي والغيبي في المنطقة العربية، ومنهجيات التفكير العلمي في عصر التنوير العربي وكيفية الحد من انتشار الفكر العلمي في الثقافة العربية، والتفكير والتحليل التاريخاني للتاريخ ورؤية جديدة للتاريخ العربي، والصراع بين الأصالة والحداثة وعلاقته بانتشار طرائق التفكير الحداثي، والعقل والنقل في الفكر العربي وأهم العلماء العرب الذين دعوا إلى التفكير العقلاني والعلمي.
أهداف الحداثة
وعن الفكر العربي والحداثة تحدث نبيل نوفل أن الحداثة تهدف إلى كشف الروابط ذات الاعتماد المتبادل بين جانبي عملية التحرر من الهيمنة ومحاولات الاستعمار الجديد، والتحرر الداخلي في شموليته اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وتوفر فكر مبدع يستطيع تطبيق الحداثة بشكل واقعي بعيداً عن الاستلاب والتبعية والوقوع في حبائل القوى المعادية لطموحات شعبنا ومصالحه الوطنية والقومية، والإيمان بأن الحداثة عقل وعلم وتلبية مصالح، عقل يفكر فينتج علماً وثقافة وعلم يطور وعمل خلاق، وفي النهاية نريد حداثة لاتجعلنا مجرد نواطير لمزارع الاستثمارات الأجنبية.
جمان بركات- لوردا فوزي