الألعاب الخارجية وأولويات “الدستورية”
كغيرها من المحطات التي مرّت بها الحرب في سورية وعليها لا يمكن لأي مراقب – إلا المكابر والمغرض – أن ينفي حقيقة وحجم تأثير “الألعاب الخارجية” على اللجنة الدستورية التي تتابع، لجنتها المصغّرة، جولتها الثانية في جنيف، خاصة وأن السر المعلن لهذه اللجنة، أو الخطيئة المؤسسة في سردية بنائها، يتمثّل بكون طرف كامل من أطرافها الثلاثة المعروفة – وجزء معتبر من طرف ثان منها – جرى تشكيله وتسمية أعضائه في أروقة مكاتب مخابرات دول خارجية معروفة بالاسم، ما يعني ببساطة أن إمكانية خروجه عن رغبات وأوامر السيّد الراعي غير ممكنة إلا بمعجزة لا يبدو أن هذا زمنها، رغم أنه لم يكن لسنوات الحرب الماضية إلا أن تثبت تناسب هذه الرغبات والأوامر عكساً مع رغبات الشعب السوري ومصالحه الحقيقية.
بهذا المعنى تبدو المخاوف من “محاولة البعض التدخل في عمل اللجنة وعرقلة جهودها” طبيعية ومشروعة، كما يبدو إعلان هذه المخاوف ضرورياً جداً في هذه المرحلة المبكرة من عمل اللجنة ليكون أمام “المعنيين” الحقيقيين بنجاحها الوقت الكافي لتفادي أضرار التدخل وانعكاساته السلبية على المسار السياسي بأكمله، خاصة وأن كمّاً كبيراً من هذه الأضرار ناجم عن فعل جهات يُفترض أنها من الرعاة العلنيين أو الضمنيين لهذه اللجنة، و”يصدف” أنها تحتل، فعلياً، جغرافيا سورية محددة، وتريد اقتطاعها لغايات متعددة، وبالتالي لا يبدو أنها تريد من أتباعها في “اللجنة” سوى مساعدتها في أن تستكمل الاحتلال الجغرافي باحتلال سياسي للدستور السوري العتيد يضمن تحقيق أطماعها كاملة، سواء كانت أطماعاً من مستوى إقليمي على مثال استعادة حلم “الميثاق الملي” كما في حالة تركيا، أو أطماعاً دولية – كما في حالة أمريكا – تتعلّق بالوضع الجيوسياسي العالمي على أعتاب انقلاب في موازين القوى العالمية قد يغيّر مجرى التاريخ، وينقلنا إلى “عالم ما بعد الغرب”، أو، وتلك الحالة الأكثر مدعاة للأسف والحزن، أطماعاً قبلية صغيرة لبعض المموّلين العرب لا تتجاوز قضية الثأر، ولو بعد أربعين عاماً، إلّا إلى وهم سيطرة شيخ القبيلة على قبيلة أخرى ليزيد من مكانته ومهابته على ما يظن السياسة ويقرأها، أو، للأمانة الأدبية، تُقرأ له من بعض الكتبة والمستشارين البائعين ضمائرهم وأقلامهم “من أجل حفنة من الدولارات” لا أكثر ولا أقل.
بهذا الإطار يبدو من الهام والضروري إعادة التذكير – خاصة في ظل وجود مجلس أمن دولي ممنوع من التحرّك ضد الاحتلالات المتعددة لأراضٍ سورية – بأن هذه الأطماع، متفرقة ومجتمعة “لا تخلق ظروفاً مناسبة للسماح للجنة بالعمل في أجواء مريحة تتيح نجاحها”، وبالتالي لا بد من التأكيد على أمرين متلازمين، الأول، أولوية وأسبقية الاتفاق بين أعضائها على الأرضية المشتركة المتمثّلة بالثوابت الوطنية، وأس هذه الثوابت وأساسها وحدة الأراضي السورية واستقلالها، أي إصدار إدانة علنية غير ملتبسة للإرهاب المقيم والعابر، كما للاحتلالين التركي والأمريكي، والمطالبة بخروجهما فوراً بلا قيد أو شرط، والاستعداد للعمل الفعلي على ذلك، والثاني، التقيّد التام “بقواعد الإجراءات المتعلقة بعمل اللجنة”، وبأن يكون منتجها النهائي قبولاً أو رفضاً “ملكاً حصرياً للشعب السوري” فقط لا غير.
بالمحصلة، خلال المرحلة التحضيرية لانعقاد اللجنة تعاملت الدولة السورية “بمرونة وإيجابية، وهو الأمر الذي أكدت عليه الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص غير بيدرسون”، وهي ستواصل ذلك، رغم التدخّلات المتعدّدة والمتشعّبة في عمل اللجنة، مهما طال الزمن، فالسوريون “الذين يتمثّل جوهر وصلب سياستهم في أوقات كهذه بالانتظار والانتظار هم الذين سيقررون كيف سيتم اللعب مع طموحات الآخرين”، كما قال روبرت فيسك، وهم، كما يقولون بأنفسهم، من سيحدّد نتيجة اللعبة بالتأكيد.
أحمد حسن