الأهداف الخفية في سورية
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع نيو ايسترن أوتلوك 22/11/2019
أعلن الرئيس ترامب مؤخراً التزاماً يشوبه الغموض بشأن سحب القوات الأمريكية من سورية، وكما هي الحال بالنسبة للكثير من تصريحات ترامب، لا بدّ من توخي الحذر مما يقوله ومما يفعله، وكي نكون أكثر دقة: ما يُسمح له فعله، وقلّما يربط بينهما تشابه.
إنها الحال ذاتها مرة أخرى، فقد تبيّن أن انسحاب بعض القوات الأمريكية من جزء صغير من شمال سورية بالقرب من الحدود التركية، لم يكن سوى انسحاب محدود. وفي غمرة الفوضى وتناقضات تصريح ترامب، تجاهلت وسائل الإعلام الغربية العديد من القضايا المهمّة.
في الواقع، هذه الممارسة ليست جديدة، فقد اعتادت وسائل الإعلام الغربية المواربة في طريقة تعاطيها مع الأزمة السورية، وتجلّى ذلك في تقاريرها حول منظمة “الخوذ البيضاء”، المجموعة الإرهابية التي أسّسها الضابط البريطاني “السابق”، جيمس لو ميزوريه. وعلى الرغم من أن موته مؤخراً أدى إلى إثارة بعض التقارير عن ممارسات “الخوذ البيضاء”، إلا أن هذه التقارير لم ترقَ مطلقاً إلى وصف دورها الحقيقي كجزء من آلة الدعاية الغربية المناهضة للدولة السورية.
كان الهدف من التقارير الوجيزة حول موت ميزوريه والمنظمة طمس مسألتين مهمتين تجاهلتهما وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، حول جوانب الحرب التي تُشنّ على سورية. ويعود منشأ كل منهما إلى الغزو الفعلي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من أجل تحقيق هذا المسعى في سورية.
أولهما: المسألة القانونية، ولعلّ المفارقة التي تجعلنا نثير هذه القضية هي أن القوى الغربية، ولاسيما حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا تسارع على الدوام إلى الإطراء بالقيم المزعومة لما تصفه بأنه النظام الدولي المستند إلى قانون. حيث تزعم أنها تتمتّع بالقيم فيما يتعلق بالقانون الدولي ضد أعدائها.
وتعتبر هذه الدول الصين وروسيا وسورية وإيران الأهداف الراهنة للهجوم، وتزعم أن هذه الدول تفتقر بشكل ملحوظ إلى القيم المذكورة أعلاه.
في الواقع، القانون الدولي واضح وصريح وهو موجود منذ أكثر من 100 عام، وأسسه الحالية موجودة في ميثاق الأمم المتحدة، فالمبدأ الأساسي المتعلق بالعمل العسكري من جانب بلد ضد الآخر محدود للغاية باستثناء عدد قليل من الحالات الخاصة والمحدّدة. إذ يجوز استخدام دولة للقوة العسكرية ضد دولة أخرى دفاعاً عن النفس، أي إذا تمت مهاجمة البلد (أ) من قبل البلد (ب)، ولعلّ من الواضح أن سورية لم تهاجم الولايات المتحدة.
وقد يوافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على استخدام القوة من قبل البلد (أ) ضد البلد (ب). وتعتبر هذه الحالات نادرة تاريخياً، ومن الواضح أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يوافق أبداً على أي عمل عسكري أمريكي ضد سورية، ولا على الاستخدام الفعلي للقوة العسكرية من قبل الولايات المتحدة ضد الدول السبعين التي شاركت الولايات المتحدة عسكرياً ضدها منذ عام 1945.
في الواقع، لم يردع عدم وجود أي موافقة من الأمم المتحدة الولايات المتحدة عن سلوكها المخالف للقانون الدولي على مدار أكثر من سبعة عقود، وهذا بالطبع مسألة أخرى بحدّ ذاتها. لذلك، لم يكن مستغرباً أن تهاجم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا سورية في عام 2015. ونتيجة لذلك، طلبت الحكومة السورية الشرعية من حلفائها تقديم المساعدة، للوقوف في وجه الأطماع الأمريكية والإسرائيلية في سورية والمنطقة.
ومع اقتراب الهزيمة الكاملة للمجموعات الإرهابية المدعومة من الغرب، فإن الخطوات الأخيرة التي قامت بها الولايات المتحدة لم تشكل مفاجأة. وبدلاً من “انسحاب” ترامب المزعوم للقوات الأمريكية من سورية، فقد قام بإحكام سيطرة قواته على المنطقة المنتجة للنفط في شمال سورية، ولم يكن تهديد ترامب الصارخ باستخدام القوة ضد أي شخص حاول الاقتراب من حقول النفط السورية التي كانت تسيطر عليها المجموعات الإرهابية -سابقاً- بالأمر المفاجئ. كما لم تكن مثل هذه الخطوة من قبل الولايات المتحدة مستغربة، إذ تعتبر السيطرة على الموارد النفطية في الشرق الأوسط بشكل أو بآخر سياسة طويلة الأمد للولايات المتحدة.
إن التهديد الصارخ للقوة العسكرية ضد أي شخص يسعى للسيطرة على حقول النفط السورية أكثر فظاظة مما هي عليه الحال عادة. ولم يفاجأ المراقبون بالإجراءات الأمريكية في المنطقة المتمثلة بالتهديد باستخدام القوة ضد الحكومة. كما أنه من غير المفاجئ هذا التهديد غير القانوني لدولة تحتل بصورة غير شرعية الأراضي والموارد الحيوية لدولة أخرى، يمكن أن تستخدم القوة الفتاكة لمواصلة حرمان أصحابها الشرعيين من المورد، وحقهم المشروع في الوصول إلى مواردهم الخاصة والاستفادة منها.
يتعيّن وضع السلوك الأمريكي في سورية خلال الأسابيع القليلة الماضية في الاعتبار في المرة القادمة، عندما يسمع المرء أو يقرأ مزاعم الولايات المتحدة حول أهمية “الحفاظ على سيادة القانون”.