إلى متى منظمة حلف شمال الأطلسي؟
ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد
منظمة حلف شمال الأطلسي organisation du Traité de I’Atlantique Nord وتُعرف اختصاراً (OTAN)، هي منظمة عسكرية دولية تأسّست عام1949م بناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي تمّ التوقيع عليها في واشنطن في الرابع من نيسان سنة1949. يشّكل حلف الناتو نظاماً للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية. ثلاثة من أعضاء الناتو (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة) هم أعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي يتمتعون بـ حق الفيتو وهم رسمياً دول حائزة للأسلحة النووية.
يقع المقر الرئيسي لحلف الناتو في هارين، بروكسل، بلجيكا، في حين أن مقر عمليات قيادة حلف الناتو يقع بالقرب من مونس، بلجيكا. حلف الناتو أو حلف شمال الأطلسي هو تحالف عسكري دولي يتكوّن من 29 بلداً عضواً مستقلاً في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا. وتشارك 21 دولة أخرى في برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لمنظمة حلف شمال الأطلسي، مع مشاركة 15 بلداً آخر في برامج الحوار المؤسسي. كان حلف شمال الأطلسي ولا يزال طريّ العود، ولا يعدو كونه أكثر من منظمة سياسية إلى أن حلّت الحرب الكورية التي رفعت أعداد الدول الأعضاء في المنظمة، إذ حركت تلك الحرب أعضاء هذا التنظيم، وتمّ بناء هيكل عسكري متكامل تحت إشراف اثنين من القادة الأمريكيين. وأدى مسار الحرب الباردة إلى التنافس مع أمم حلف وارسو الذي شُكّل في عام 1955. ثارت الشكوك حول قوة العلاقة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الشكوك حول مصداقية دفاع حلف الناتو ضد الاحتلال السوفييتي المستقبلي، مما أدى إلى تطوير الردع النووي الفرنسي المستقل وانسحاب فرنسا من الهيكل العسكري لحلف الناتو في عام 1966 لمدة 30 عاماً.
بعد سقوط جدار برلين في ألمانيا عام 1989، شاركت المنظمة في تفكك يوغوسلافيا، وأجرت أول تدخلاتها العسكرية في البوسنة من 1992 إلى 1995 ثم في وقت لاحق يوغوسلافيا في عام 1999. ومن الناحية السياسية، سعت المنظمة إلى تحسين العلاقات مع بلدان حلف وارسو السابقة، التي انضم العديد منها إلى التحالف في عامي 1999 و2004. وقد تمّت الاستعانة بالمنظمة عن طريق المادة /5/ من معاهدة شمال الأطلسي، التي تطلب من الدول الأعضاء أن تأتي لمساعدة أي دولة عضو تخضع لهجوم مسلح، للمرة الأولى والوحيدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول التي تمّ بعدها نشر القوات في أفغانستان تحت قيادة “إيساف” التابع للناتو في أفغانستان. وقد قامت المنظمة بشغل مجموعة من الأدوار الإضافية منذ ذلك الحين، بما في ذلك إرسال مدربين إلى العراق والمساعدة في عمليات مكافحة القرصنة. وفي عام 2011 قام حلف الناتو بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973. أما المادة /4/ الأقل فعالية، التي تستشهد بالتشاور بين أعضاء حلف الناتو، فقد استُند إليها ثلاث مرات: مرة من قبل تركيا في عام 2003 على حرب العراق، ومرتان في عام 2012 من قبل تركيا في الحرب على سورية. ومنذ تأسيسها زادت الدول الأعضاء من 12 دولة أصلية إلى 29 دولة عضو. الدول الأعضاء الأخيرة التي أضيفت إلى الناتو هي الجبل الأسود في 5 حزيران 2017. وحلف شمال الأطلسي يعترف حالياً بالبوسنة والهرسك وجورجيا ومقدونيا كأعضاء طموحين. والتساؤل المطروح هو إلى متى منظمة حلف شمال الأطلسي؟. منذ أن فتح انضمام المملكة المتحدة إلى السوق المشتركة الباب أمام التوسّع المتواصل للاتحاد الأوروبي، أصبح من الصعب أن نلمس لديه سياسة خارجية جديرة بهذا الاسم. ذلك أنه أحياناً تكون الزيادة نقصاناً: التوافق اللفظي بدلاً من الموقف الثابت والخضوع بدلاً من القوة.
يضمّ الاتحاد اليوم أغلبية من الدول التي ساهمت في المغامرات الإمبراطورية التي قادتها الولايات المتحدة (ست عشرة دولة من أعضائه الحاليين شاركت في حرب العراق)، كما ربحت بتدخل واشنطن في أمريكا اللاتينية (ومن ثم جاء اعترافه السخيف بالمعارضة الفنزويلية كحكومة شرعية). كما تظاهر الاتحاد بالاعتراض على نزوات إدارة ترامب، حتى إذا هدّدته بالعقاب سارع إلى الاصطفاف (العقوبات الاقتصادية ضد المؤسسات التي تتعامل تجارياً مع إيران).
لقد كان لأوروبا قبل توسيعها وزن أكبر في منطقة الشرق الأوسط، إذ كان شارل ديغول قد اعترض على انضمام المملكة المتحدة إلى السوق المشتركة لأنه كان يرى أن هذا البلد سيكون حصان طروادة بالنسبة إلى واشنطن على تراب القارة العجوز، والآن لم يعد للولايات المتحدة ما تخشاه من خروج المملكة من الاتحاد، ذلك أن هذا الأخير أصبح على مر العقود اصطبلاً تابعاً لها.
تعتبر هيمنة واشنطن في مجال الدفاع أشد إذلالاً، أداتها في ذلك منظّمة حلف شمال الأطلسي التي أنشئت في فترة الحرب الباردة. تكفي موافقة البيت الأبيض لتحتل دولة عضو في هذا الحلف تراب دولة أخرى عضو فيه أيضاً (تركيا تحتلّ جزءاً من قبرص منذ خمسة وأربعين عاماً) أو تعامل دولة منه الدول المجاورة لها على أنها “منطقتها الآمنة”، فجيش أنقرة الذي يحتل المرتبة الثانية في الناتو اجتاح منذ بعض الوقت شمال سورية، ولكنّ واشنطن ليس لها ما تضيف في هذا الباب مادام نظام رجب طيب أردوغان يواصل مراقبة واحد من الحدود البحرية الروسية واقتناء 60% من أسلحته من سوق الولايات المتحدة، وقبول وجود رؤوس نووية أمريكية على أراضيه. كما لا قيمة عند جانس ستلتسبرغ الأمين العام للناتو أن ينعت بكونه دمية تحركها أمريكا، وأن يلقب بـ”طوني بلير النّرويجي”.
بغزو العراق سنة 2003 بذريعة تقوم على المغالطة، تسبّبت هذه الدولة التي اتخذت حلف الناتو أداة تنفيذ في الفوضى السائدة اليوم في الشرق الأوسط. وبالاندفاع نفسه، أشعلت الولايات المتحدة بمعية دول أخرى فتيل الحرب في ليبيا، ثم تنكرت، بمفردها هذه المرة، للاتفاق النووي المبرم مع إيران في تموز2015. وخلال شهر تشرين الأول الماضي وفي اللحظة التي سلّم فيها الأكراد للجيش التركي دون التشاور مع “حلفائه” الأوروبيين في الناتو والحاضرين على الميدان، نشر الرئيس الأمريكي تغريدة على تويتر تتسم بصراحة عجيبة: “أرجو أن يتدبروا أمرهم جميعاً، أما نحن فبعيدون عنهم مسافة 11 ألف كيلومتر”.
إن مواصلة تحمّل هذا الأمر غريب الأطوار الذي لا همّ له إلا مصلحته تعني الرضى بحشرنا نهائياً في موضع المحمية، لكي تخرج أوروبا من هذه الوضعية عليها أن تغادر منظمة حلف شمال الأطلسي.