ثقافةصحيفة البعث

“تانجو”.. وشظايا المرأة المكسورة

 

تعد رقصة التانجو ذات الأصول الأرجنتينية واحدة من أهم الفنون التي تساعد الجسد على التخلص من التوتر العضلي والنفسي وتزيد من تقارب العشاق والمحبين، لذلك تم توظيفها في الكثير من العروض المسرحية للتعبير عن الحالة النفسية العميقة للشخصية، وهذا ما لجأ إليه ياسر دريباتي مدير البيت العربي للموسيقا والفنون في العرض المسرحي “تانجو” الذي قدمه على مدى يومين متتالين على خشبة مسرح دار الثقافة في حمص، وفيه يخوض، كما هو حال أغلب الفنون الدرامية في سورية مؤخرا، في تبعات الأزمة السورية والآثار التي تركتها في النفوس، من خلال حكاية فتاتين ريتا وليلي اللتين تسكنان في خرابة ضمن بناء شبه مدمر في إحدى المدن. فتاتان رغم التناقض الفكري والسيكولوجي بينهما، حيث نجد ريتا راقصة التانجو المتحررة المنطلقة نحو الفرح والحياة على عكس ليلى المتزمتة والمأخوذة بمظاهر التعصب الديني الأعمى، إلا أنهما تلتقيان في الانكسار والتهشم الداخلي. ليلي تنتظر “فيزا” لم الشمل من زوجها المخادع “أبو مؤنس” الذي غادرها وهاجر إلى ألمانيا دون أن يترك لها مايعينها على الحياة سوى “موبايل” وخط انترنت “سيرف” وبعض المظاهر الدينية المزيفة التي سعى لتكبيلها بها، وريتا التي أحبها طبيب جراح وتعلم رقصة التانجو لأجلها وانهزم أمام منظر الأشلاء والجثث، فترك الطب وراح يعمل في تجارة مستلزمات الموتى، لتهرب من الموت الذي أحاطها به من كل جانب.
يجمع دريباتي الفتاتين ضمن حوارية مصارحة في إيقاع دراماتيكي متصاعد يتنقل فيه بين الكوميديا والتراجيديا بسلاسة وتماسك نجحت الممثلتين نرمين علي ورهام التزة في تجسيده صوتا وحركة دون الاستعانة سوى بالموسيقى التي رافقت الرقصات، فكان التعويل عليهما مريحا للمخرج، لاسيما الحركات على الخشبة وتناغمها مع المواقف والانفعالات التي أخرجت الفكرة إلى حيز التلقي دون كثير عناء.
قدم ياسر دريباتي في هذا العرض نصا جريئا صريحا ومباشرا دون تلميح أو مواربة، ربما قوبل بمفرداته غير المألوفة مسرحيا، برفض واستهجان البعض، لكنه سعى من خلاله لتقديم الواقع كما هو دون محسنات لفظية أو شكلية، لذلك فقد استحق أكثر مما أتيح له كفكرة يمكن أن تتبلور لعرض بإمكانيات وتقنيات أفضل. حيث براعة المعالجة وجمالية القفلة التي ربط فيها بين رقصة التانجو لفتاة متحررة من القيود الاجتماعية والدينية ورقصة السماح ذات الأصول الصوفية الحلبية التي لجأت إليها ليلي لتخرج ما في ذاتها بعد أن اعترفت بحقيقة الوهم الذي كانت تحبس نفسها فيه هي التي تمنت أن تواصل تعليمها بعد أن أرغمت على الزواج من رجل يعمل بياع غاز قبل أن يصبح مرشدا دينيا في ألمانيا، وهو بذلك يخلط ويوّحد بين شظايا المرأتين المكسورتين المختلفتين بطريقة ممارسة الحياة.

آصف إبراهيم