حساسية ثقافية
يعاني البعض في الوسط الثقافي كأي وسط آخر، وفي مختلف الميادين من حساسية مفرطة تجاه العمل وحتى التعامل مع الآخر في نفس المضمار بالتأكيد لكل شخص حساباته ومبرراته التي يعتبرها صحيحة ومحقة من وجهة نظره، وبداية لابد من التأكيد على أن الاختلاف في وجهات النظر لا يعني العداء وهو الشيء الطبيعي وهو من يخلق سجالاً حقيقياً وهنا أتحدث عن المجال الثقافي تحديداً، فعلى سبيل المثال عند طرح موضوع- خاصة المواضيع الإشكالية أو الطارئة- في الجانب الثقافي ليس الهدف اجتماع واتفاق جميع الآراء على وجهة نظر واحدة بل إلقاء الضوء على المشكلة من جوانب مختلفة علها تصبح أوضح، وطرح عدة آراء قد تكون متباينة لايقلل من قيمة أحدها، ومادفعني للخوض في هذه القضية وهي بالتأكيد ليست جديدة وقد واجهت كثيرين وستبقى مستقبلاً، هي ردة فعل البعض ممن يعملون في الوسط الثقافي عند طرح أي قضية أو سؤال للنقاش على شكل تحقيق أو ريبورتاج أو أياً كانت التسمية، فالسؤال الأول الذي يطرحه البعض للأسف هو من هي الأسماء الأخرى التي ستشارك؟ ومنهم من يطرح هذا السؤال حتى قبل أن يعرف طبيعة الموضوع الأساسي الذي سيقدم فيه رأياً فنياً أو نقدياً أو فكرياً، والبعض لايجد حرجاً في وضع شروطه المسبقة طالباً أن يتم إقران اسمه بأسماء محددة أو يرفض المشاركة لوجود أسماء محددة لاعتبارات متعددة، ومن هؤلاء من ينطلق في هذا من مبدأ المحافظة على هالة معينة من الخصوصية والفرادة لتجربته وحتى لاسمه في حال كان يشغل منصباً ما، في حين يهدف آخرون من خلال ذلك لنوع من “البريستيج” فقط من مبدأ انظروا نحن أفضل من غيرنا وأسماؤنا لاترد إلى جانب أي كان، والبعض يفعل ذلك من مبدأ الشللية ليس إلا وهناك من قد يجمع بين هذه الجوانب، وفي الوقت نفسه هناك من يرفض ذلك عن حسن نية وهم قلة للأسف المبدأ الذي ينطلق منه هؤلاء أننا لانستطيع أن نضع جميع التجارب في الميزان ذاته فوجود رأي هزيل بين مجموعة آراء قوية يسيء لصاحب هذا الرأي ويجعله الحلقة الأضعف، فلابد من وجود توازن ولو بالحد الأدنى ليتحقق السجال الذي تحدثنا عنه.
بالتأكيد الحديث هنا عن حالات ولا أقصد التعميم، جميعنا نتفهم وندرك أن هناك نوعاً من التنافس المشروع المرتكز على أسس موضوعية وهو ضروري وظاهرة صحية ويسهم في تطوير هذا المجال أو أي مجال آخر عندما يصبح هذا التنافس وسيلة لتطوير الأدوات لتجاوز الآخر بالمعنى الإبداعي وتقديم المتميز والمختلف، وليس بمعنى الاعتداء على قناعاته ورفض تجربته أو تهميشها والنظر إليها على أنها تجربة دنيا أو درجة ثانية، وأياً كانت الأسباب والدوافع والاعتبارات والمبررات من المفترض أن جميع أو غالبية من يعملون في المجال الثقافي يدركون أن هناك هماً ثقافياً عاماً يعني الجميع عند حضوره من المفترض أن تزول كل الحدود وتختفي كل الاعتبارات الأخرى لمصلحة هذا الهم، وأن يفصل المبدع بين تجربته الخاصة كمبدع من حقه أن يؤكد فرادته وتميزه وخصوصيته وبين الهم الثقافي العام الذي يعني كل من يعمل في المجال الثقافي، ومن واجب الجميع أن يشاركوا كل حسب إمكاناته مع خصوصية كل تجربة وإمكانات صاحبها، لأن وجود أي مبدع في وسط ما يجعله شاء أم أبى جزءا من هم ثقافي عام والمسؤولية تتضاعف عندما يجتمع الإبداع والمنصب في شخص واحد.
جلال نديم صالح