“زهرة الريح.. وتبقى الجبال”.. رسالة لكل إنسان
أجمع المشاركون في الندوة التي أقيمت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة للحديث عن كتاب “زهرة الريح” الصادر حديثاً للشاعر بديع صقور أن الندوة هي مناسبة للاحتفاء بهذا الكتاب الهام الذي اعتبره صقور خلاصة لعمر طويل يمتد من لحظة الولادة وحتى لحظة الانتهاء من كتابته، وقد حاول أن يكون عملاً جديداً ورسالة لكل إنسان على هذه الأرض، ولكل قرية تشبه قريته، ولكل وطن يشبه وطنه، منوهاً إلى أن الكتاب يتحدث عن طفولته ومدرسته وحياة الفقر التي تعيشها قريته، وعن رحلاته وأسفاره والمدن التي زارها، وعن سورية.
سيرة ذاتية
رأى د. عبد الله الشاهر من خلال قراءته لكتاب “زهرة الريح” أنه سيرة ذاتية واسعة امتدت منذ طفولة الشاعر الأولى إلى أيامه هذه، وهي سيرة تنوعت مناهلها وتغيرت أمكنتها بالنسبة للشاعر، إلا أن ما يميزها أنها كانت طفولة قاسية، حيث يلج الشاعر بذاكرته عتبات كثيرة: عتبة الموت وعتبة الغروب وعتبة الولادات وعتبة الريح وعتبة الأقدام الحافية وعتبات الجهات، وقد كانت هذه العتبات نقاط علّام في ذاكرة الشاعر ومحطات لا يمكن إلا أن يقف عندها، مشيراً الشاهر إلى أن بنية كتاب “زهرة الريح” من الناحية الفنية جاءت منتجاً عضوياً، ساقته أحاسيس الشاعر وتهويماته، لذلك ترك لمشاعره العنان واسترخى، فقالت هذه الأحاسيس ما أرادت أن تقول بعيداً عن شكل أو أنموذج أدبي، فتميزت نصوصه بالعفوية والتحرر من الشكل وعدم اهتمامه بالموسيقا الخارجية ولا بنظام التقفية ولا حتى بالتوازن المقطعي، وكذلك عدم تقيده بالنظام العروضي، فالشاعر اعتمد الدفق العاطفي وإشباع نصه صوراً مؤثرة وفاعلة مع أنسنة الأشياء وتكرار مفردات وجمل لترسيخ ما يريده الشاعر في ذهن الملتقي.. وعلى صعيد اللغة التي تعامل معها الشاعر بيّن د.الشاهر أن الشاعر في نثرياته اعتمد الواقعية والوصف الدقيق الموشى بعواطف الزمن الضائع وهي لغة واقعية تقريرية فيها صدق العاطفة.. وختم الشاهر كلامه منوهاً إلى أن “زهرة الريح” ضم نصوصاً مليئة بالأسرار وطافحة بالأحزان، فيها من البساطة بقدر ما فيها من العمق، وجميعها تحكي بدون تكلف أو تزويق أو تجميل.
كتاب وجداني
وبقراءة مُحبة وبعيدة عن النقد والتشريح قرأ الأديب سهيل الذيب الكتاب الذي ضجّ بالعناوين والحكايات والمغازي والآلام والجراح والقهر والحب، فبيّن أنه كتاب وجداني ضخم، لذلك اعترف أنه قرر أن لا يبحث عن هفواته بل أن يتوجه بقلبه وعينه على إنسانيته الباذخة، ورأى أن الكتاب سيرة ذاتية للشاعر، تضم شعر حياته وقد أهداه إلى أبويه وإخوته وزوجته وأولاده وأصدقائه وإلى كل الطيبين الذين مروا على بساتين أيامه، مبيناً الذيب أن كتاب”زهرة الريح” سيرة ذاتية تميزت بالخبرة والمعرفة والمُتعة والصدق، لذلك هي تشد القارئ إلى آخر سطر فيها، وفيها تحدث الشاعر عن كل مراحل الحياة، لذلك كانت موضوعاته كثيرة، بدءاً من القرية الصغيرة التي ولد فيها إلى تلك البلاد التي زارها وسكنها ولا سيما في تشيلي حيث بقيت آثارها موشومة في قلبه وفي شعره.
كتاب ضخم
وقال الكاتب أيمن الحسن أنه كما القارئ لنصوص ومقطوعات الكتاب يكاد لا يعرف إن كانت هذه النصوص خواطر وجدانية أم مقطوعات نثرية، فهي تُقرأ بسرعة ولكنها تترك في داخلنا الكثير من الأسى والحزن، ففيها حنين لأيام ماضية وذكريات من زيارات عديدة قام بها الشاعر للعديد من العواصم، وكان قلمه يرافقه عبر جهات الأرض، فيسطر رؤاه عبر رحلاته إلى أمكنة كثيرة في العالم، ليبدو وكأنه زار الدنيا كلها.. من هنا أكد الحسن أنه يمكن قول الكثير في حضرة كتاب ضخم يطالعنا فيه الشاعر بسيرته الذاتية الممزوجة بسيرة بلده من أقصاه إلى أقصاه، فكان جريئاً في نقد الواقع ولا سيما في سنوات الحرب على سورية، فالحاضر في الكتاب مقيت وبائس، حيث انتشر الإجرام وحلَّ القتل والخراب والسلوكيات غير الإنسانية، وأصبحت خيانة الوطن والاعتداء على أبنائه فعلاً عادياً، منوهاً الحسن إلى أن الكتاب ضم أيضاً نصوصاً جسدت واقعاً مريراً من الحياة الريفية والتي يعاني فيها أبناؤها من الشح وهو واقع ترك أثراً كبيراً في النفوس إلى حد بقيت تفصيلاته حاضرة وطازجة بعد عشرات السنين في نصوص الشاعر.. وختم الحسن كلامه مبيناً أن الشاعر صقور يدرأ عن نفسه الكبر والكهولة من خلال هذا العطاء الممتد الذي لا ينضب.
أمينة عباس