دعوة تطبيع علنية
لم يأت بجديد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بدعوته “المفكرين والأنظمة العربية” لإقامة علاقات كاملة مع الكيان الصهيوني، فالكل يعرف حجم التطبيع الجاري بين مشيخات الخليج والكيان، وقد كتب على “تويتر”: “لا ينبغي أن يواجه أصحاب الفكر العربي الذين يخاطرون بحياتهم للدعوة لرؤية إقليمية للسلام بتهديدات بالانتِقام”!.
والسؤال هو: أية رؤية إقليمية للسلام هذه التي تشرعن الاحتلال واغتصاب الأراضي والاستيطان، وأي تعايش مع محتل يمارس القتل والتهجير والتهويد سلوكاً ممنهجاً ويومياً في الأراضي العربية المحتلة بحق شعبنا الفلسطيني، وأي حوار مع الذين لا يلتزمون بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأي دور لهؤلاء “المفكرين العرب” المقصودين بهذه الدعوة؟، وهم الذين خرجوا عن القيم والأعراف والحقوق في ترويجهم للمحتل وسياساته العنصرية والتطبيع معه.
اللافت أن دعوته جاءت بعد أسبوع من إعلانه أن الولايات المتحدة خلصت إلى أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تتعارض بحد ذاتها مع القانون الدولي، ما أثار حالة من الغضب الشعبي في فلسطين المحتلة وتنديداً ورفضاً عربياً ودولياً واسعاً، إذ يعد التصريح انتهاكاً للقانون الدولي وتحدياً لقرارات المنظمات القانونية الدولية التي تنص صراحة على أن جميع المستوطنات في الأراضي المحتلة تعتبر غير شرعية، وعقبة أساسية أمام تحقيق السلام، على عكس الموقف الأمريكي.
إن قرار إدارة ترامب بعدم الالتزام بعد الآن بوجهة النظر القانونية لوزارة الخارجية الأمريكية في عام 1978، والقائلة بأن “المستوطنات مخالفة للقانون الدولي”، يتناقض مع مواقف الإدارات السابقة، التي عارضت بناءها وتوسيعها باعتبارها عقبة في طريق “السلام”، ولكن هذه الخطوة تتسق مع الخط السياسي لـ “ترامب” في تقديم هدايا لمساعدة الكيان الصهيوني، حيث اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لـه عام 2017، وسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان السورية المحتلة، كما نقل سفارة بلاده إلى القدس، وأوقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.
وفسّر محللون قراره بأنه يدعم الموقف الإسرائيلي القائل: إن الضفة الغربية هي أرض “متنازع عليها”، وليست محتلة، ويعطي ضوءاً أخضر لبناء المزيد من المستوطنات، والبدء في ضم مناطق من الضفة للسيادة الإسرائيلية.
أياً ما تقرره واشنطن، ويمارسه الكيان الصهيوني، لن يغيّر من حقيقة الوقائع والحقوق على الأرض، وهو قرار باطل ولاغٍ من ناحية القانون الدولي، وإذا كانت الإدارات السابقة قد أوحت ببعض المصداقية في بعض تصرفاتها، فقد نسفها ترامب بالكامل.
صلاح الدين إبراهيم