قراءة في كتاب: محور المقاومة.. نحو شرق أوسط مستقل
علاء العطار
الكاتب تيم أندرسون
تاريخ الإصدار 2019
تنتصر قوى المقاومة في سلسلة الحروب التي بدأتها واشنطن في القرن الحادي والعشرين باسم “شرق أوسط جديد”، وكما كل مناورات القوى الإمبريالية التي سبقتها، تمثّلت الخطة التي تترأسها الولايات المتحدة بإخضاع المنطقة بأكملها، سواء عبر التطبيق المباشر للقوة أو عبر التحالفات أو الوكلاء، وذلك لتؤمن لنفسها وصولاً تاماً لمواردها الهائلة ومن ثم إملاء شروط الوصول على كل اللاعبين.
وبقدر ما يكمن مفتاح هزيمة طموحات واشنطن في التوحّد الإقليمي لقوى المقاومة، بدأت القوى الإمبريالية تنظر إلى سورية وإيران كهدف مركزي لتغيير أنظمتهما أكثر من أي وقت مضى.
يسبر هذا الكتاب نهاية الحرب على سورية والعناصر الأوسع للنزاع الإقليمي، ولاسيما طابع المقاومة وآفاق قيام دولة فلسطينية ديمقراطية ودور إيران. ويلفت الانتباه إلى الأفكار العريضة التي يقوم عليها كل تاريخ معين، وتعتبر مفتاحاً لفهم الكل وأجزائه على حدّ سواء، فكل عدوان أمريكي، من ليبيا إلى أفغانستان، يُسيّره الدافع الاستعماري، وتستخدم هذه الحروب الهجينة نشر الأكاذيب والحصار الاقتصادي ووكلاء إرهابيين وغزواً مباشراً واحتلالاً عسكرياً، ويتبع كل ذلك قمع الدول العميلة لهذه البلدان، والهدف طبعاً هو إبقاء المقاومة مفتّتة.
ومثلما يشكل كل عدوان جزءاً من إستراتيجية واشنطن الأوسع، يظل توحد قوى المقاومة بشكل خاص أمراً حاسماً لنجاحها.
تمتلك هذه المقاومة طابعاً مشتركاً، ولكن ليس لديها شخصية مثالية أو إيديولوجية، بيد أن السمات المشتركة هي مطلب تقرير المصير ووجود هياكل اجتماعية مسؤولة تخدم المصالح الاجتماعية الواسعة. ويتناول الكتاب الأحاديث الباطلة حول الحروب والمقاومة، مع محاولة كتابة سجل تاريخي جزئي ومؤقت لهذه الصراعات، وبمقدور التركيز على المقاومة أن يساعدنا في فهم الهزيمة التي تكبّدتها القوى العظمى.
يقع الكتاب في أربعة أقسام، يبحث القسم الأول منها في الإمبريالية والمقاومة، ويبدأ بمقدمة تتحدث عن انتصار المقاومة على القوى الإمبريالية وإفشال خططها في إخضاع المنطقة تحت شعار “الحرية”، لأسباب ليس أقلها نهب مواردها وخيراتها، فهذا العراق وهذه أفغانستان دولتان احتلتهما هذه القوى بذرائع عديدة، ودمّرت ليبيا بالمنوال نفسه، واستخدمت في سبيل ذلك أذنابها في المنطقة، كالسعودية وقطر، والكيان السرطاني المتمثّل بـ”إسرائيل” لتفريق وإضعاف هذه الدول المستقلة وشعوبها.
ويوضح الكاتب أن مفتاح هزيمة طموحات واشنطن يكمن في توحد إقليمي أكبر لقوى المقاومة في وجه الهيمنة الأجنبية والتوسّع الصهيوني، وتنبع أهمية طهران من النظر إليها بمنظار الخوف الإسرائيلي من رؤية إيران على حدودها، ومن منظار الغيرة الأمريكية المفرطة من النفوذ الإيراني في المنطقة.
كما يشدّد على وجوب توثيق التركيب البنيوي للحرب الإقليمية الهائلة وجرائمها العديدة ووجوب فضحها، فهي لم تحظ إلى الآن بقدر كافٍ من التوثيق في الغرب، ويعود ذلك إلى فشل التكافل الغربي وسياسة التعاون الدولي.
ويتبع ذلك فصل يتناول تأملات أوسع عن الإمبراطوريات وتقرير المصير، ويقول الكاتب فيه إن البشر كائنات اجتماعية تختلف اختلافاً كبيراً عن باقي الكائنات، فهذا الذكاء الإنساني المتقد خلق المجتمعات التي نعرفها اليوم، لكن الطابع الاجتماعي للمجتمع الإنساني هو السبب الذي يوضح أنه لم تعد غزوات المجموعات الخارجية لبسط سيطرتها على الأرض ومواردها، مدمرة للغاية، وهذه الأضرار هي ما نراه في الحقبة الإمبريالية عندما تفرض القوى العظمى بنى استعمارية تخدم مصالحها، وبهذا يعرف الكاتب الإمبراطوريات بأنها مشاريع معادية للمجتمع تسعى إلى الهيمنة وإخضاع مناطق بأكملها، في حين تسعى حركات المقاومة إلى دحر العدوان الأجنبي وهيمنته.
يدرس الفصل الثالث الاستخدام المستمر للعقوبات الاقتصادية كوسيلة من وسائل الحرب الهجينة، وهو جزء من العدوان المركب الذي يشمل الدعاية الخبيثة والحصار الاقتصادي والتخريب، وفي بعض الأحيان الحرب المفتوحة.
يلي ذلك فصل يناقش أسطورة تقارير الحرب المحايدة وبعض المبادئ الضرورية للمنهج المتّبع في دراسة الحروب للمساعدة في فهم الخلافات الدولية المعاصرة، وخاصة الحرب والتدخلات الأجنبية.
يضم القسم الثاني سلسلة من المقالات الموضوعية عن السنين الأخيرة للحرب على سورية، ويبدأ مع بعض الموضوعات المحدثة التي طرحها الكاتب في كتاب سابق، وتتناول أساسات التدخل تحت مسمّى “الإنساني” و”الوقائي” في تلك الحرب القذرة، كما يبيّن دليلاً دامغاً على أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يدعم الجماعات الإرهابية في العراق وسورية، وهي مجموعات محظورة دولياً، في محاولة لتدمير سورية المستقلة وزعزعة استقرار العراق وإضعافه، ثم يتبع ذلك تقرير عن تحرير حلب يوثق الذرائع التي استُخدمت لمنع الجيش العربي السوري من طرد المجموعات الإرهابية التابعة للقاعدة من هذه المدينة، يليه فصل يتحدث عن وهم “محاربة الولايات المتحدة لتنظيم داعش”، وعن جريمة جبل الثردة الشنيعة، ويعتمد على تحقيق أجراه المؤلف للمجزرة التي ارتكبت بحق الجنود السوريين في أيلول من عام 2016 في شرق سورية، حيث نسق التحالف الأمريكي هجماته ليدعم التنظيمات الإرهابية المحظورة، وطبق منهج تحليل الخلافات المعاصرة على إشاعات استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، ويرسم بذلك خطاً موازياً للذريعة الباطلة التي أدت إلى غزو العراق عام 2003، ثم يفرد الكاتب فصلاً كاملاً يناقش فيه “صناعة حقوق الإنسان وتبرير الحرب لأهداف إنسانية”، ويورد فيه أمثلة من سورية، ويولي اهتماماً خاصاً لدور المنظمات غير الحكومية “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، ويختتم الكاتب هذا الجزء بتأمل أوهام ما يُسمّى “الثورة السورية” واستخدام اللاجئين كأدوات في الدعاية الحربية.
يقدم القسم الثالث ثلاث أمم أخرى ضمن المقاومة الإقليمية، وهي: فلسطين ولبنان وإيران، ويأتي فيه فصل بعنوان “مستقبل فلسطين” يعيد النظر في الصراع الطويل الذي تولد جراء وجود المستعمرة “الإسرائيلية” التي أصبحت في العقود الأخيرة “دولة” عنصرية يعتبر وجودها بحدّ ذاته جريمة ضد الإنسانية، ويعيد هذا الفصل النظر في تاريخ وأيديولوجية وممارسات هذه المستعمرة الصهيونية، والإنجازات التي حقّقتها المقاومة الفلسطينية، قبل الانتقال إلى تقييم آفاق قيام دولة فلسطينية، آخذاً بالاعتبار كل العوائق والمزايا، يليه فصل يتحدث عن حزب الله والمقاومة الإقليمية، يبحث هذا الفصل في الأكاذيب والاتهامات التي تسم المقاومة بالطائفية والإرهاب قبل تفسير نهضة حزب الله في لبنان وتأثيره الأوسع على المقاومة الشعبية العراقية، ثم يبحث الفصل التالي في أهمية إيران ودورها القيادي في محور المقاومة، ويرسم خطاً بيانياً لنموها منذ ثورة عام 1979 ويوثق إنجازاتها في مجال التنمية البشرية والتحديات التي واجهتها، ويبيّن أن الحرب متعددة الأوجه المستمرة على إيران ساعدت هذه الأمة على النهوض كقلب المقاومة في المنطقة، ويختتم الكاتب هذا الجزء بعنوان “نحو غرب آسيا” الذي يلخص آفاق استقلال المنطقة بحيث يكتسب “الشرق الأوسط” اسماً جديداً دون أن تهيمن عليه التفسيرات الغربية عن العالم، وهذا التحوّل يستلزم التزاماً وتضحية ووحدة إقليمية.
في القسم الأخير يروي الكاتب قصة رحلته في توثيق حياة الشعوب الأخرى والدفاع عنها، وهي انعكاس لحرية التعبير في ثقافة استعمارية فاسدة، غير أن هذا الصراع هو عملية مهمة لأي دارس يسعى لفهم الصراعات الكبرى، ويؤمن بمشاركة هذا الفهم مع الآخرين.