من بوابة السكر والزيت.. هل تنجح السورية للتجارة في ضبط الأسواق وكسب رضى الناس؟!
اليوم ومع حالة الهيجان في الأسواق، وما تعانيه من تقلبات واضطراب في الأسعار، وتقاذف للمسؤوليات، يبدو كأن صالات السورية للتجارة تسعى لتكون المحرك الأساسي والقوة التجارية الضاربة، وتضع شعارات التدخل الإيجابي وضبط الأسعار موضع التنفيذ، وهذا ما يجعل المواطن يقف ويتساءل عن ذراع التدخل الإيجابي الحكومية هذه، وهل هي قوية بالشكل الذي يجعلها تحقق الأهداف التي توضع لها؟!.
ذاكرة مؤلمة
لا شك أن دور السورية للتجارة لا يقتصر على التدخل الإيجابي، بل هو دور اجتماعي، حيث تشكّل ملاذاً آمناً للفقراء وأصحاب الدخل المحدود، إلا أن السير بها باتجاه المعاملات الاقتصادية ومعادلات الربح والخسارة جعلها تنحو منحى آخر، أما الجرعات الحكومية التي تمنح دعماً لها، وكل هذا الزخم، فلم ينعكس بشكل ملموس على أرض الواقع، بل بقي مجرد قشة تتعلق بها التصريحات الحكومية الباحثة عن حلول لضبط الأسواق، وترويض الأسعار التي تمردت على كل محاولات كبحها، ورغم امتلاك هذه الأذرع، المقومات التي تؤهلها كي تكون ذاك المروّض لتجار امتهنوا عمليات التلاعب والقفز فوق كل الضوابط والنواظم، إلا أنها مازالت قاصرة عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة للقيام بعمليات الترويض تلك.
هفوات قيد المعالجة
في زيارة إحدى صالات السورية نجد الواقع مختلفاً عما يرسم له، وإن كانت هناك بعض الجهود لإنعاشها ولو بالحد الأدنى، إلا أن عمليات الترميم لم تنجح في كثير من المواقع في تجبير تلك الأذرع التي تبحث عن دواء أكثر نجاعة، هذا في حديث الشكل الذي من المفترض أن يكون منافساً لأكبر السوبرماركات، أما من حيث المضمون فيشير الواقع إلى أن التدخل الإيجابي ليس في أحسن أحواله، وأن التصريحات الحكومية حول أهمية هذا التدخل تحتاج إلى المزيد من التدقيق، وخاصة في الصالات، فالمواد الأساسية كالزيوت والسكر محدودة الإقامة على رفوفها، أما باقي السلع كالمواد الكهربائية والأدوات المنزلية فالطلب عليها نادر، وأسعارها تزيد عن أسعار السوق في الكثير من الحالات وفق التسعيرة الموجودة، والإقبال على الصالة خفيف باستثناء ساعات تواجد مادتي السكر والزيت، بهذه الكلمات اختصر العاملون فيها المشهد، حيث أكدوا أن البيع النقدي قليل جداً ولا يتجاوز مبلغ 500 ألف ليرة شهرياً، ويتم الاعتماد على التقسيط للموظفين، إلا أن ذلك يصطدم بضعف القوة الشرائية لديهم.
واللافت أيضاً في تلك الصالة التي تتكدس فيها البضاعة بشكل عشوائي عدم وجود واجهات عرض وديكورات تجذب المستهلك رغم وجودها في أماكن حيوية وهامة وقادرة على منافسة أرقى المولات والسوبرماركات في حال تم الاهتمام بالشكل، والترويج السليم لها ولغيرها من الصالات المشابهة حالاً ومعاناة، إلا أنه حتى اللحظة لا تبدو الإجراءات المتخذة كافية لتحقيق ذلك، والأهم هو فريق العمل، فتثبيت المياومين يبدو أنه مطلب محق لتحقيق الاستقرار النفسي والمادي لهم بشكل يجعلهم يتعاملون مع تلك الصالة معاملة الشريك في النجاح لا الأجير المهدد بالطرد في أية لحظة، فحال نوال كحال عشرات المياومين الذين ينتظرون قرار تثبيتهم للحصول على حقوق قد تساهم في رفع معنوياتهم.
نريد السكر
تعتبر مادتا السكر والزيت عامل القوة الوحيد، والورقة الرابحة بيد السورية للتجارة في حال تم استخدامها بالشكل الأمثل والمتوازن، فطوابير المواطنين أمام صالات السورية للتجارة فور توفر مادة السكر تعطي مؤشرين أساسيين، أولها فارق السعر الكبير الذي حققته السورية للتجارة عن القطاع الخاص، وربحها الرهان في كسر الأسعار وضبطها، ولكن بالمقابل لم تستطع توفيرها بشكل كاف يساهم في تحقيق الهدف المنشود، فمعظم أيام الشهر المادة مفقودة باستثناء يومين أو ثلاثة يتم فيها تزويد تلك الصالات التي لا تهنأ بها رفوفها أكثر من عدة ساعات، وإذا كانت الأرقام الصادرة عن فرع السورية للتجارة في السويداء تشير إلى أن الكميات التي تطرحها المؤسسة لا تلبي نصف حاجة المواطنين، فهذا يقودنا للحديث عن أهمية تحقيق عدالة التوزيع، خاصة أن هناك الكثير من التساؤلات حول توزيع المادة، وما يرافقها من سمسرة وتلاعب للتجار بها، ووفق السورية للتجارة فإنه يتم توزيع مادة السكر حسب عدد السكان في كل وحدة إدارية مخدمة بمنافذ بيع السورية للتجارة، حيث يتم تزويد هذه المنافذ حسب توفر المادة بمعدل ثلاث مرات شهرياً على الأقل بكمية لا تقل عن ١ طن للمنفذ، وتصل إلى ٣ أطنان للمنافذ التي تخدم تجمعات سكانية كبيرة، حيث تصل الكميات الموزعة شهرياً إلى حوالي ١٤٠ طناً شهرياً، وهذه الكمية أقل من نصف حاجة المحافظة، ما يجعل الطلب على المادة كبيراً في الصالات بسبب فارق السعر بينها وبين القطاع الخاص، والذي يصل إلى ٢٠٠ ليرة، وحول الزيوت فالحال مشابه لجهة السعر المنخفض وعدم التوفر، حيث وصل سعر عبوة الزيت لليتر الواحد إلى 700 ليرة، ولليترين إلى 1400 ليرة، ولسعة 5 ليترات إلى 3500 ليرة.
جرعات أمل
في مقر الفرع يبدو الوضع أكثر تفاؤلاً، حيث الكثير من الإجراءات التي يتم التحضير لها قد تشكّل جرعة لإنعاش تلك الصالات، أما أرقام المبيعات فتدل على أن الأمور بخير، حيث بلغت منذ بداية العام الجاري ملياراً و123 مليوناً و710 آلاف ليرة سورية.
مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة بالسويداء حسين صافي بيّن أن أعمال الفرع منذ بداية العام الجاري ولغاية نهاية شهر أيلول الماضي خلصت إلى تصريف مادة التفاح المسوقة خلال الموسم الماضي، وتجهيز صالة المدينة بتشكيلة واسعة من الخضار والفواكه، والمواد الغذائية، والزيوت، والسمون، والسكر، وغيرها، كما افتتح الفرع معرضاً للسجاد الآلي، والمدافىء، وكافة مستلزمات شهر الشتاء، والعمل بشكل يومي على تأمين كافة المواد من ألبان، وأجبان، وبيض، ولحوم، وخضار وفواكه، وغيرها إلى جهات القطاع العام، وتوزيع الغاز المنزلي في الصالات عبر البطاقة الذكية.
ولفت مدير الفرع إلى عملية البيع بالتقسيط للموظفين عن طريق منحهم قروضاً لشراء السلع المعمرة من المؤسسة السورية للتجارة بسقف 500 ألف ليرة، ولمدة خمس سنوات، كما يقوم الفرع بتقسيط مادة السجاد للعاملين في الدولة بسقف 200 ألف ليرة، ولمدة 24 شهراً، ونظراً لنقص العمالة في منافذ البيع تم تعيين عدد من العمال المياومين في الصالات، وذلك بالتنسيق مع الإدارة العامة ريثما يصدر الملاك العددي في المؤسسة.
تدخل إيجابي
طبعاً هنا نتحدث عن إنجازات وأرباح ومكاسب، ولكن أين التدخل الإيجابي في كل ذلك، يشير مدير الفرع إلى أن دور المؤسسة في عملية التدخل الإيجابي يكمن من خلال توحيد أسعار بعض المنتجات الأساسية للمواطن، وتخفيض أسعار بعض المنتجات الأساسية، وإقامة المعارض المتخصصة، وتأمين احتياجات العاملين في القطاع العام من خلال تقسيط المواد والسلع المعمرة، وتأمين نقل السلع والمنتجات بين الفروع ولكافة المحافظات، وتأمين منافذ البيع بتوزيع يلائم الكثافة السكانية، وحجم الطلب، وبشكل متوازن مع بقية المناطق، واستيراد بعض المواد من الأسواق الخارجية، وخاصة المواد الأساسية والضرورية لاحتياجات خدمة تأمين التدفق المنتظم لبعض المواد المخزنة في مستودعاتها، وعرض وتسويق منتجات القطاع العام الصناعي الغذائي وغير الغذائي.
عدالة التوزيع
طبعاً من خلال المعطيات والمؤشرات السابقة نجد أن الورقة الأهم التي نستطيع من خلالها كسب ثقة المجتمع هي مادتا السكر والزيت، وتشكّل نقمة عليها حتى اللحظة، فأصابع الاتهام كثيرة لعمليات سرقة تلك المواد من بعض الصالات وبيعها للتجار، وتقارير تفتيشية تشير إلى عدم النزاهة في ذلك، وهنا يكون المطلب الأساسي بعدالة التوزيع، أي تحديد مخصصات ثابتة لكل أسرة عبر البطاقة الذكية، بحيث تصل بشكل متساو لكل أسرة مهما كانت الكميات وهنا نتحدث عن السكر والزيت، لا أن تكون المادة حكراً على بعض المستفيدين، هي خطوة نجدها ضرورية في طريق بناء خيوط الثقة في مجتمع يبحث عن عوامل الأمان بعد أن فقدها عند الجميع، ونقصد عند التجار والمسؤولين عن ذلك.
رفعت الديك