إرهابٌ نقديّ..!؟
ما شهدته الأيام الأخيرة من “مُفخّخاتٍ” و”عبواتٍ ناسفة” استهدفت الليرة بما هي نسغ اقتصادنا وأكسجين حياتنا؛ إنّما هو تجلٍّ جديد من تجليّات الإرهاب الحاقد، وحلقةٌ من مسلسله الأسود، ولكن: بلبوسٍ نقديٍّ اقتصاديّ، هذه المرّة، عماده صفحاتٌ وتطبيقات افتراضية لسعر الصّرف؛ تقتات على مال العمالة للمشغّلين الأعداء؛ الذين ولغوا لتسعة أعوامٍ في الدم السوري، وأوغلوا في صناعة الدّمار والخراب على امتداد الجغرافيا السورية. ولا يخفى على عاقلٍ ههنا: التّوقيت المدروس لهذا الاستهداف اللئيم؛ إذ أعقب مرسومي زيادة الرواتب والأجور، لينال من فرحة ذوي الدخل المحدود بها، بما خلّفه من سُعارٍ غير مسبوق في أسعار السّلع والخدمات، واحتكارٍ لبعضها الآخر، ناجمٍ عن جشعٍ وانقيادٍ غريزيٍّ أعمى وراء أسعار صرفٍ وهميّة، مفتقرةٍ لأيّة ركيزة موضوعيّة، من قبل ضعاف النفوس في حلقات الوساطة التجارية، أو في أرض الإنتاج..!؟
إرهابٌ نقديّ؛ دوّت ارتداداته مجلجلةً في وسائل التّواصل الاجتماعي، التي أعادت إنتاجه هلعاً وذعراً في صفوف العامّة، في حين اقترح اقتصاديون ومتخصّصون نقديّون: ضرورة “ضرب المضاربين” واتخاذ إجراءات جزائيّة بحق كلّ من يثبت تورطه بالمضاربة بالدولار، سواء كان بنوكاً أم أشخاصاً أم فعاليات، ومراقبة عمليات التّداول في السوق الموازية «السوداء»، بشكل حازمٍ ودقيق، أو تجريم حيازة وتداول الدولار خارج الأقنية الرسمية، وإعادة النّظر بسياسة تمويل الاستيراد، أو الانسحاب منها لصالح القطاع الخاص، مع وضع قيود صارمة ومتشدّدة على الاستيراد إلّا للحاجة القصوى. فيما طالب آخرون بوضع حدّ لظاهرة التهريب التي تستنزف وفق تقديرات حكوميّة نحو 3 ملايين دولار يومياً، غراماتها الجمركية بالحدّ الأدنى 12 مليون دولار باليوم الواحد؛ ما يعني بحسبة بسيطة 4,32 مليارات دولار في السنة، ومكافئها النوعيّ والمهمّ بالقياس مع الموازنة العامة..! فضلاً عن اقتراحات بفرض تصريف مبلغ محدّد بالسّعر الرّسمي على القادمين (100 دولار مثلاً)، وبتقييد السيولة لفترة محددة وتفعيل الدّفع الإكتروني، وبإغلاق شركات ومكاتب الصرافة، وحصر التعامل بالدولار بالحاجات الأساسية.
ومن الملحاحيّة بمكان؛ أن نُذكّر ههنا أنّ مصرفنا المركزيّ وبتحديده لسعر صرف الحوالات بـ434 ليرة للدّولار الواحد؛ قد دفع بالمغتربين إلى اعتماد أحد طريقين: أوّلهما: التّحويل إلى الدّول المجاورة ولا سيّما منها: لبنان والأردن، كيلا يتكبّدوا خسائر وازنة في تصريف حوالاتهم..!
وثانيهما: التّحويل عبر شركات غير مرخّصة في القطر مرتبطة بأفراد في الدّاخل يطلق عليهم المتعاملون معهم؛ اسم: “شقّيعة” يجوبون البلاد طولاً وعرضاً؛ في عرض خدماتهم المصرفيّة لقاء عمولات، وهم لا يخشون في عملهم الذي يعتمد كليّاً على وسائل التّواصل الاجتماعي ولاسيّما منها: الواتس أب؛ الملاحقة القانونية نظراً لتصنيف هذه العملية بالمخالفة المندرجة تحت عنوان؛ مزاولة مهنة من دون ترخيص..!؟
هذه الحوّالات الماليّة المُحوّلة من الخارج؛ يُقدّر أكاديميّون واقتصاديّون حجمها خلال العام الماضي بنحو 12 مليون دولار يومياً، أي ما يعادل 4.3 مليارات دولار سنويّاً، أي نحو 2000 مليار ليرة سنويّاً (حسب سعر صرف المركزي)، أي ما يكافئ نصف الموازنة العامة للعام 2020، وهو رقمٌ بالغ الأهمية، ويستحق اجتراح حلولٍ موضوعيّة لإعادته إلى حضن المركزي للإفادة من عائداته بدلاً من تركه نهباً لـ”شقيعة” الحوالات الخارجين على القانون..!
والحال أنّ على مصرفنا المركزيّ وراسمي سياساتنا الاقتصاديّة؛ الانتقال من خنادق الدّفاع السّلبي، وردّ الفعل، إلى الخوض عميقاً في دائرة الفعل، والتفكير من خارج الصندوق في التّصدي الحازم والحاسم لهذا الإرهاب النّقدي غير المسبوق، وأدواته الحاقدة العميلة، سواء ما كان منها متموضعاً خارج البلاد، أو داخلها، لوقف هذا الاعتداء الآثم على الليرة، وبالتّالي تداعياته العضويّة على لقمة السّوريين الذين يخوضون أعتى المعارك على غير جبهة..!
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com