ادلب.. وما بعد ادلب
د. سليم بركات
يكثر الحديث عن ضرورة الحسم في منطقة ادلب، وتزداد الحشود للجيش العربي السوري وقواه الرديفة بدعم روسي استعداداً لما وصف بأم المعارك التي تتوحد عليها أصوات أحرار العالم في مناصرة الشعب السوري تحت عنوان أن من حق الحكومة السورية وقواتها المسلحة تصفية الإرهابيين في كل المناطق السورية.
يؤكد هذه الحقائق لقاء الرئيس بشار الأسد مع جنود وضباط الجيش العربي السوري في بلدة “الهبيط” التابعة لمحافظة ادلب، لقاء أكد من خلاله الرئيس الأسد أن حسم المعركة في ادلب قد أصبح في حكم الأولوية، كيف لا والرئيس الأسد اعتبر أن معركة ادلب الأساس لحسم الفوضى في كل مناطق سورية، كيف لا وأردوغان اللص الذي سرق المعامل والقمح والنفط، واليوم يسرق الأرض، هو من تحالف مع الإرهاب واحتواه بتوجيه من سيده الأمريكي.
قد يبدأ الحسم “لتعزيل” ادلب من الإرهاب في أية لحظة، لأن قراراً سورياً مع باقي محور المقاومة قد اتخذ بهذا الشأن لردم ما وصفه الرئيس الأسد بالخندق المتقدم لدول العدوان على سورية، وكيف لا يتخذ مثل هذا القرار وادلب قد تحولت لتكون الملاذ الأخير للمجموعات الإرهابية، كيف لا وقد امتلك الجيش العربي السوري من الخبرات ما لا يضاهيه فيها جيش آخر في مواجهة الإرهاب، ليس على صعيد المنطقة فحسب، وإنما على صعيد العالم أيضاً، كيف لا وفي مثل هذه المواجهة يكون التخلص الحقيقي من “وخم” الإرهاب، ليس على مستوى سورية فحسب، وإنما على مستوى المنطقة والعالم أيضاً، كما تتخلص روسيا ممن يوجهون ضرباتهم بين الحين والآخر لقاعدة حميميم الجوية التي تحتضن القوات الروسية المتواجدة في سورية لمناصرة الجيش العربي السوري في إطار الاستراتيجية السورية الروسية في مواجهة الإرهاب.
كان من المتوقع، حسب الاتفاق الروسي التركي في سوتشي، أن تبادر تركيا لاستئصال المجموعات الإرهابية من ادلب، لكنها نكثت بوعدها، لا بل ودعمت هيمنة “جبهة النصرة”، وباقي أخواتها المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، ولما طالبت روسيا تركيا القيام بدورها لتنفيذ الاتفاق، والقضاء على جبهة النصرة، ودفع المجموعات الإرهابية بعيداً عن طريقين رئيسين يربطان حلب بكل من اللاذقية وحماة، تلكأت تركيا وماطلت، الأمر الذي جعل تطهير ادلب من الإرهاب أمراً حتمياً، وهل نبالغ إذا قلنا إن ما يمارسه أردوغان من تلاعب على الزمن يشابه ما مارسته تركيا في لواء اسكندرون قبل اغتصابه في أواخر ثلاثينيات القرن المنصرم، والدليل ما تقوم به السلطات التركية من إصدار للهويات الشخصية، ومن فبركة للوائح السيارات بغاية استخدامها في المناطق التي تحتلها، هذا إضافة إلى إلزام السكان في المناطق الواقعة تحت الاحتلال التركي بالتعامل مع الليرة التركية، لتغزو البضائع التركية الأسواق السورية، ليس في الأماكن التي تحتلها تركيا فقط، وإنما في الأماكن الأخرى التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين المحتضنين من قبل تركيا، زد على ذلك ما تقوم به تركيا من بناء للمدارس، والمشافي، وافتتاح للجامعات في الأراضي السورية وإلحاقها بجامعاتها، وكذلك ما تقوم به من حملات التجنيس الذي ترفضها سورية، وحتى المعارضة التركية، كل هذا وغيره من ممارسات تبقي لغة “البارود” هي الأقوى من اللغة الدبلوماسية والسياسية في مواجهة أردوغان ومن لف لفه، وهذا ما كان واضحاً في كلام الرئيس الأسد وهو يتحدث عن استعادة ادلب بالحسم والقوة العسكرية، ولأمر واحد هو أن الأولوية الحقيقية هي لمعركة ادلب، حتى ولو كانت الجزيرة السورية الأكثر ضرورة لجهة استعادة الموارد المسلوبة، لكن المجموعات الإرهابية التي تحتل ادلب بدعم تركي تمثل خنجراً مسموماً في الجسد السوري لابد من انتزاعه؟!.
من هذا المنطلق نستنتج أن تواجد الرئيس الأسد، رئيس الجمهورية والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، بين جنوده البواسل في ادلب، يفصح عن مسألة جوهرية هي أن فرص السياسة قد انتهت مع محتضني الإرهاب وداعميه ومروّجيه، وهذا يعني أن اتفاق سوتشي الذي لم يعد أردوغان يتحدث عنه قد صار في مهب المدافع وراجمات الصواريخ التي آن لها أن تعمل وفق ما تراه القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية حتى تحرير سورية الوطن بكل ما تحمل كلمة تحرير من معنى.
أما فيما يخص الجزيرة السورية التي يغزوها أردوغان بموافقة أمريكية، فمن المتوقع أن تشهد سيناريوهات متعددة، منها التحدي العسكري للاحتلال التركي الذي يدعم المجموعات الإرهابية تحت شعار ما يسمى “المعارضة المعتدلة”، ومنها أن الغزو التركي للأراضي السورية سيؤدي إلى الانسحاب الأمريكي منها، وهذا واضح من التنسيق الكامل والقائم بين ترامب وأردوغان، والذي سيؤدي وظيفياً إلى إحلال الوجود التركي محل الوجود الأمريكي، بمعنى أن تنهي ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” علاقتها بالقوات الأمريكية، وتضع نفسها تحت تصرف القوات العربية السورية في مواجهة الاحتلال الأمريكي التركي، ولما كان من المعروف عن الحكومة السورية أنها لم تعقد صفقات في المناطق التي حررتها، فإن من الواجب الوطني أن تحل “قسد” نفسها، وتسقط مشاريعها بالعودة إلى حضن الوطن للدفاع عنه ومواجهة أعدائه.
بقي أن نقول: لقد خسر أعداء سورية، وفي الطليعة الكيان الصهيوني ومن لف لفه، الرهان في حربهم عليها لإسقاطها خلال هذه السنوات الطوال من المناورات الإقليمية والدولية التي استعملت فيها كل وسائل الحروب الباردة والساخنة، وفي مقابل هذه الخسارة ربحت سورية الرهان بفضل صمود جيشها وقواه الرديفة، وقدرته على صنع النصر، وسورية اليوم بفضل صمودها، شعباً وجيشاً وقيادة، تتجه نحو نافذة النصر والحسم، وما هي إلا مسألة وقت حتى تعلن للعالم انتصارها على كل من تربّص بها شراً.