الجهات الثلاث المعنية بالحد من ارتفاع الأسعار
الأسعار نار نار، كلمات يرددها الكبار والصغار، صبح مساء، ليل نهار، وهم يتألمون ولا يملون من التكرار، الذي لا يستوعبه التجار، ولا يرون أنه يحظى بالاهتمام المرتجى من أصحاب القرار، ويرون أن الكرة – التهمة – في مرمى الحكومة والتجار؛ فالتجار متهمون بالمزيد من الربح إلى درجة الجشع الكبير، والحكومة ممثلة بالرقابة التموينية، متهمة بالقصور لا بل بالتقصير، والغريب أن الكثير من المستهلكين ينأون بأنفسهم عن أي دور.
حقيقة الأمر أن الحد من ارتفاع الأسعار رهن الحد من موافقات استيراد المواد الكمالية وغير الضرورية من الخارج، وعدم إعطاء المستورد لها دولارات المصرف المركزي بالسعر الرسمي، والحد من جشع قسم كبير من تجار الجملة المستمرين بارتكاب عدة مخالفات، تتمثل بنسبة الربح العالية التي يحققونها، والتي تكاد تقارب نسبة ربح تجار المفرق؛ ما يوجب عليهم خفضها، وبعدم إبرازهم الفواتير الحقيقية لقيمة السلع التي اشتروها والمتداولة في متاجرهم، ومتاجرتهم ببعض المواد المهربة أو الممنوعة التداول، وبإحجامهم عن إعطاء تجار المفرق الفاتورة الحقيقية للمواد التي يبيعونها لهم، وبيعهم نفس السلعة الموجودة في متاجرهم بسعر أعلى بين يوم وليلة، بل ربما بين ساعة وساعة، بحجة ارتفاع الدولار، والتي سبق لهم أن اشتروها بسعر سابق لارتفاع الدولار، وأخذوا في الحسبان تحقيق نسبة ربح عليها، واحتسابهم لبيعها الجديد حسب ارتفاع الدولار، سيرفع لهم هذه النسبة وقد يضاعفها، وجميعهم يمتنعون عن خفض السعر في حال حدث انخفاض في سعر الدولار.
كما أن الحد من ارتفاع الأسعار رهن الحد من جشع بعض تجار المفرق المستمرين بدورهم في ارتكاب عدة مخالفات، تتمثل بنسبة الربح العالية التي يحققونها، والتي تفوق النسبة المشروعة في كثير من المواد، متغافلين ضرورة اكتفائهم بالربح الشرعي، والحرص على حسن معاملتهم الجيدة لرواد متاجرهم، الذين أغلبهم من معارفهم أو أقربائهم أو أصدقائهم أو جيرانهم، وأيضاً تتمثل مخالفة تجار المفرق بضعف أو عدم مطالبتهم بالفاتورة الحقيقية من تجار الجملة، وعدم احتجاجهم في حال حصول ذلك، وعدم تقيدهم بنسبة الربح المخصصة لهم وفق الفاتورة، وضعف أو عدم إعلانهم عن أسعار المواد، وعدم إعطائهم فاتورة للمستهلك، ولو على ورقة عادية، ومن الجدير ألا ننسى شكر بعض التجار – جملة أو مفرق – الذين يبيعون بعض السلع بأقل مما هي مسعرة حال استطاعوا ذلك.
ولا جدال أن الحد من تهور المستوردين ومخالفات تجار الجملة وتجار المفرق، مرهون بالحضور الميداني الدائم والمكثف للسلطات الرسمية، المعنية بنجاح السياسة النقدية في الحد من ارتفاع سعر الصرف وتذبذباته، وتفعيل دور لجان التسعير المركزية والفرعية في المحافظات، والتي من المتوجب تحقق أهلية أعضائها من دراسة متأنية للمعطيات، التي تمكنهم من إقرار السعر الحقيقي المقارب للمواد المسعرة، وتكثيف الرقابة التموينية الميدانية بكل أمانة وصدقية، واعتماد الرقابة الصارمة على حركة تجار الجملة والمفرق– نوعية مواد وأسعارها – مع اقتران الجانب الرقابي التوجيهي مع الجانب الرقابي العقابي الأدنى فالأعلى، حسب نوع وحجم المخالفة وتكرارها، على أن تكون شركة السورية للتجارة مشمولة بهذه الرقابة، والتي من المفترض أن تتوفر في مراكزها المنتشرة على ساحة القطر جميع المواد الاستهلاكية بنوعية جيدة، وبأسعار مقاربة لسعر تجار الجملة، على أن تتم مخالفتها بمخالفة خفيفة حال كان السعر مماثلاً لتجار المفرق، ومخالفة صارمة حال كان سعر المادة أعلى من تجار المفرق، فحجم المتاجرة الكبير عند السورية للتجارة، يسمح لها بتحقيق ربح مقبول حال باعت المستهلك بسعر الجملة، شريطة توفر النزاهة عند العاملين فيها وخاصة لجان المشتريات.
ولا يغيب عن البال أهمية دور المستهلكين في فاعلية ترشيد استهلاكهم وتقنينه، لا بل الامتناع عن استهلاكهم لبعض المواد غير الضرورية أو الكمالية، وخاصة المستوردة التي يرتفع سعرها بتأثير الدولار، وأهمية ممارسة دورهم في ممارسة الرقابة الشعبية، وعدم قصورهم عن ممارسة هذا الدور بحجة عدم تجاوب الرقابة التموينية معهم، غير جائز أبداً، لأن ضعف التجاوب مع مشتكٍ، لن يتكرر حال تقدم مشتكٍ آخر، لا بل سيثمر عن نزول الرقابة حالاً إلى الميدان حال تمت الشكوى تلو الشكوى، وقد تبينت لي هذه الاستجابة ميدانياً في منطقة سكني، وعلى المستهلك ألا يتردد أو يخجل من الشكوى حتى ولو علي قريبه أو جاره، فإن كان التاجر لا يخجل من تقاضي سعر زائد – ليس من حقه – من المستهلك، فمن غير الجائز أن يخجل المستهلك من الاحتجاج على استعادة هذا الحق المسلوب منه، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، ضرورة اهتمام المستهلك بإنتاج بعض حاجياته، لا أن يفترض أن على الآخرين تأمينها له بالسعر الذي يتوخاه.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية