العمل التطوعي.. مسؤولية اجتماعية تعزز المبادرات النبيلة وتعاون دون أي مقابل
في ظل الوضع الاقتصادي والخدمي الذي نعيشه، والذي يغاير الواقع الذي اعتدنا عليه لسنوات، تبرز أفكار اجتماعية متنوعة، وصور مميزة للتكافل الاجتماعي، يأتي في مقدمتها العمل التطوعي الذي يبرز الجانب الإنساني والمثالي لأفراد المجتمع، وينبذ الدوافع المادية، إضافة لأهميته الخاصة في المجتمع، وآثاره على الفرد المتطوع، وعلى خلايا المجتمع بكافة أنواعها.
دون أي عائد
يقوم الإنسان بعمل دون انتظار أي عائد مادي أو نفعي، ويكون هذا العمل لخدمة أبناء مجتمعه بدافع داخلي في تحمّل المسؤولية تجاههم على اختلاف أشكالهم وأجناسهم وأعراقهم، ويكون عن طريق التبرع بالمال، أو تقديم الأعمال البدنية كأعمال البناء والترميم والنظافة، أو فكرياً، أو ذهنياً يقدمه فرد ما بدوافع أخلاقية محضة، أو دينية، ودون أي مقابل أو قصد بتحقيق هدف يعود عليه بأية فوائد، وفقاً لما أكده لنا المرشد الاجتماعي أحمد إبراهيم المحمود، تربية حماة، ولذلك لا يعد عملاً تطوعياً قيام فرد ما بالتقاط الصور خلال قيامه بأعمال إنسانية لرعاية الأيتام بهدف تعزيز حملة انتخابية معينة، أو بهدف الدعاية لنشاطاته المالية والاقتصادية، وللأسف يستغل الكثيرون هذه الجوانب الإنسانية لإخفاء نقصهم، وسلوكهم السيىء أمام الآخرين، واستغلال مشاعرهم، ونلاحظ أن التطوع قد يأخذ طابعاً مؤسسياً منظماً، ومن فوائده أنه يؤثر في سلوك شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، ويجذبهم للتطوع ضمن المؤسسات التطوعية، أو الخيرية، فيقدمون للمجتمع أفضل ما لديهم من مهارات أو أعمال يتقنونها مجاناً، وتابع المحمود: علينا ألا نقلل من أهمية العمل التطوعي الفردي، فنلاحظ أن عدداً كبيراً من الأطباء باتوا يخصصون يوماً أو يومين للعلاج المجاني أسبوعياً لمصابي الجيش وعائلات الشهداء، وتأمين الأدوية لهم إن أمكنهم ذلك، أو الصيادلة الذين يوزعون للمحتاجين أدوية مجانية، سواء كانت عينات مجانية، أو غير قابلة للتخزين فترة طويلة، حيث تخفف هذه الأعمال التطوعية من تكاليف العناية الطبية المرتفعة على الكثير من المحتاجين، كمثال بسيط الشاب الذي يساعد عجوزاً في حمل أغراضه، أو يساعد طفلاً في قطع الشارع، كما نشاهد خلال الأزمة (التطوع الرقمي) الذي يهدف لدحض شائعات العدو التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتهدف لبث الذعر بين أفراد المجتمع، وتشويه صورة الدولة، ومؤسساتها، وآخرها ما نشاهده من حملة شرسة لتلك الصفحات لمهاجمة اقتصادنا، وليرتنا، فنشاهد في المقلب الآخر الحملات التطوعية المضادة لها، حيث يقوم الأفراد بتفنيد هذه الشائعات، وتوعية غيرهم من أفراد منساقين وراء هذه “الإشاعات”، أو حملات كبار التجار لدعم الليرة السورية من خلال إنشاء صناديق لدعمها.
دليل وعي تام
إن العمل التطوعي يصنف في مستويات حسبما أكده المحمود، ويعبّر عن وعي المتطوع، فقد يكون العمل التطوعي بعد تفكير عميق، واختيار من الفرد، مثل قيام شاب بالذهاب إلى دار العجزة لخدمتهم دون أن يكون ذلك تلبية لنداء أحد، أو يكون التطوع استجابة لحادث، أو طارىء، أو يكون رد فعل معيناً عند وجود ضرورة، كإسعاف شخص أغمي عليه، أو أصيب بحريق، أو مساعدة شخص تعطلت سيارته، فيكون الدافع هنا حب الغير، وحمايتهم، وإبعاد الخطر عنهم، ولدوافع إنسانية محضة، ونلاحظ أن المتطوع يحصل على تقدير كبير من الجميع، وقد يكون على مستوى العالم كله إذا اقترن عمله بالتضحية، وكما شاهدنا كيف ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر قيام طبيب صيني بمساعدة رجل عجوز على متن رحلة جوية بالطائرة على التخلص من البول قبل انفجار مثانته بعد أن صنع له قثطرة بولية من المعدات الموجودة في الطائرة، واضطر الطبيب لاستخدام الفم لإنقاذ المريض، وأكد الطبيب للجميع أن واجبه كطبيب حتم عليه فعل ذلك دون أية دوافع أخرى.
الولاء للمجتمع
إن التطوع يزيد الألفة والترابط بين أفراد المجتمع، ويزيد شعورهم بالانتماء، والولاء للمجتمع ذاته، ويعزز التماسك بينهم، والمنعة ضد أية آفات تهدد مجتمعهم، وتنمية المجتمع ككل وفقاً للطالب في كلية الآداب، جامعة دمشق، عماد علي، ويعزز رضى الفرد عن ذاته، ويشعره بالرقي، سواء كانت دوافعه أخلاقية، أو دينية، أو إنسانية، كما أنه يساهم في تقوية شخصية الفرد وقدراته من خلال معرفته بقوة تأثيره بالآخرين عند مساعدتهم، ويساعد الشباب بشكل خاص في استثمار أوقات الفراغ التي يعاني أكثرهم منها، وبالتالي تقليل حالات الإدمان بجميع أنواعها، كما أنه يعلّم الفرد ترتيب الأولويات، وكيفية اتخاذ القرارات السريعة، والحاسمة، ويكون رديفاً لجهود الدولة، ويساعد في توجيه إمكاناتها نحو الأعمال الكبيرة بعد وجود حالات تطوع تغطي النشاطات الصغيرة التي تحتاج المعونة الاجتماعية، وبشكل يوفر المال والجهد الحكومي لعمليات تنموية تنعكس بالفائدة على الجميع، وخاصة في الأزمات، فنلاحظ مثلاً نشاط الجمعيات الخيرية والطبية خلال الأزمة في نجدة المرضى، والجرحى، وبناء المشافي الصغيرة، وإغاثة اللاجئين، كما يساعد العمل التطوعي المؤسسات الرسمية والهيئات والجمعيات في معرفة احتياجات عدد من أفراد المجتمع بصورة حقيقية، ومعالجتها بالشكل الأمثل.
الطالبة سلمى محمد، كلية الآداب، جامعة دمشق، أوضحت بأن التطوع ينبع من الدوافع القيمية، أي أنه ينبع من مجموعة من القيم الراسخة في ضمير الفرد، وتربيته، ونشأته الراقية، وتوجهه نحو المشاركة الطوعية في مساعدة أفراد المجتمع، أو أي عمل فيه الخير للمجتمع، لذا علينا تربية الطفل على هذه الأعمال منذ الصغر، فقد نشأنا جميعاً على قيمنا العربية الأصيلة مثل: الكرم، والجود، وإغاثة الملهوف، وإطعام المسكين، والتكافل بين الأفراد في حالات المرض، والمصائب، إضافة للقيم الدينية الداعية للتعاون في أعمال الخير، والتي نكنّ لها كل الاحترام.
بشار محي الدين المحمد