“بودير”..؟!
“معاً نستطيع” هي الترجمة لمصطلح “بودير” في لغات الدول التي تؤمن بالتعاون على أساس الاحترام المتبادل بعيداً عن القوة والسيطرة الاستعمارية..، وهي على نقيض المفهوم الأمريكي “أي كان” والذي يعني “أنا أستطيع”..!
ما بين الكلمتين أو بالأصح المفهومين، بون شاسع، لناحية الفارق الكبير ما بين دلالات كل من المفهومين وأثرهما، بحسب علم الاقتصاد الاجتماعي وحتى علم النفس، حيث التمييز بين المفهومين لا يحتاج لشرح معقد، رغم تعقيد التداخل بين الـ”أنا” والـ”نحن” وتأثير وتأثر كل منهما في الآخر.
ما نود الخلوص إليه، أن المجتمعات والدول وفي زمن الأزمات الكبرى والخطيرة التي تعبرها، تحتاج لـ “الكل” كي تستطيع مواجهة التحديات التي تحيق بها، لاسيما إذا كانت من كل الجهات والأنواع، وبالكم الكبير والثقيل فيما تشكله من تداعيات وضغوط متنوعة، لا تقتصر على البنية الاقتصادية فقط، وإنما تتعداها إلى البنية الاجتماعية للدولة، وأيضاً إلى البنية الفكرية، وبالتالي تحكُّمها في اتجاهات تكوين الرأي الجمعي، أي الرأي العام وتحديداً الداخلي الوطني.
وعلى النقيض تماماً، لا يمكن لأي دولة أن تواجه التحديات والظروف بـ”الأنا” الفردية وخاصة إذا كانت من النوع الفردي الأناني، حيث “البطولات الفردية” في مثل هكذا أحوال وأوضاع، لا يمكن مهما بلغت أن تقود إلى تحقيق إنجازات تذكر، وإلاَّ كانت “بطولات انتهازية” غايتها النجاة بالنفس، تطبيقاً للمثل المقيت القائل: “ أنا.. ومن بعدي الطوفان”.
إسقاطاً لما تقدم، على ما مرَّت وتمر به سورية اقتصادياً، وخاصة خلال الشهور الماضية، وما عُدَّ لها ومُورس عليها من “حرب نقدية” خبيثة في أساليبها وطرقها وأدواتها، يمكننا الجزم أن معركة سعر الصرف الأخيرة، والتي لم تكن تستهدف رمزنا السيادي الاقتصادي والمالي الوطني (الليرة السورية) فقط، بل الأخطر برأينا استهدافها لِبُنانَا المجتمعية والاجتماعية والفكرية، لزعزعة مفرداتنا الوطنية ، وبالتالي ضرب ثقة المواطن بالدولة وإسقاطها، وصولاً إلى تحقيق غاية الغايات وهي “الدولة الفاشلة”.
ما سلف يندرج في خانة ما يسمى “الجيل الرابع من الحروب الأمريكية”، القائم أساساً على مبدأ الانتهاك الاقتصادي للدول، تمهيداً لإخضاعها للهيمنة الأمريكية؛ حرب لابد لمواجهتها وتفشيل أسلحتها – غير التقليدية ما أمكن- من توظيف الاستطاعة الكلية لمفردات الدولة: البشرية والفكرية المادية، وهنا يأتي العمل على المواطن ( الأنا) بالمعنى الإيجابي للفردية، لخلق حالة جماعية من الوعي الاجتماعي الاقتصادي، المدرك لخيوط المؤامرة.
ولعل في القدرة على تخفيض سعر الصرف وبزمن قياسي، لأكبر دليل على ما يمكن للدولة أن تحققه مجتمعة، إذ إن الدولة نحن، وهو في الآن معاً رسالة واضحة لكل سوري، أننا معاً نستطيع.. ومع الأصدقاء أكثر..
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com