الناتو.. وهمروجة لندن
في الوقت الذي كان يسعى فيه قادة حلف الناتو لأن تكون الذكرى السبعون لتأسيسه مناسبة للتأكيد على أهمية تحالفهم العسكري والسياسي في صناعة عالم اليوم في ضوء التطورات الدولية الحاصلة، من استعادة روسيا لدورها، ونمو الصين والهند المطرد، بدا واضحاً أن قمة لندن عزّزت الشكوك حول مستقبل الحلف، ولاسيما أن الخلافات باتت عميقة بين الأعضاء، فالانقسام الأوروبي الأمريكي طفا على السطح بقوة، وتركيا وعلاقتها الناشئة مع روسيا، وكيف سيتم التعامل معها، والتمويل والدفاع، والأهم ما هو الدور الذي سيقوم به الحلف في الفترة المقبلة؟.
لقد شكّلت قمة ويلز للناتو في عام 2014 في أعقاب تصويت شعب جزيرة القرم على العودة إلى الدولة الأم روسيا، نقطة تحوّل في عمل الحلف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحربي البلقان وأفغانستان، من حيث شد عصب دول الحلف الـ 30 في ضوء التهويل الكبير بالخطر الروسي الداهم على حدود أوروبا، وتأكيد القادة المجتمعين أهمية المحافظة على نسب الإنفاق الدفاعي لمواجهة الخطر الداهم، ولكن رغم كل ذلك كان الموقف الأوروبي متحفظاً على محاصرة موسكو واستعدائها والعودة إلى سنوات الحرب الباردة وزيادة التسلّح، حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أعقاب الأزمة الأوكرانية أن روسيا دولة جارة، ويجب أن تكون الشراكة العنوان الجامع معها وليس الحرب، ولكن الضغوط الأمريكية كانت أكبر، وانقادت أوروبا إلى فرض عقوبات كبيرة على روسيا، ولكن الهجوم الأقوى على منظومة الناتو كان من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا بداية إلى تشكيل جيش أوروبي قبل عام من الآن، أي منظومة دفاعية أوروبية بعيداً عن باقي الدول المنضوية تحت راية الناتو وواشنطن، ليكون التصريح الأقوى له قبل الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الحلف عندما اعتبره في حالة “موت سريري”، وأن على الحلف أن يركّز في سياساته، ليس فقط على الدفاع والتمويل، وإنما المشكلات الاستراتيجية العميقة التي يعاني منها، ولكن هل هذه المعارضة أتت أكلها في حصول خرق ما في العلاقات بين جانبي الأطلسي؟. ما بدا واضحاً في أعقاب نهاية الحفل وصدور البيان الختامي أن الأمور بقيت على حالها، باستثناء وحيد هو التركيز على مواجهة الدور الروسي، ودراسة الواقع المستجد للصين، وضرورة دفعها إلى المشاركة في النقاش حول الحد من انتشار الصواريخ، فهل يعد هذا الطرح محاولة لجر دول الحلف لمواجهة قد تكون باردة مع بكين لمنعها من لعب دور ما على الصعيد الدولي؟.
إن الفكرة التي أوجد من أجلها حلف الناتو انتفت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبالتالي إن بقاءها إلى اليوم هو رغبة سياسية أمريكية لإبقاء السيطرة على أوروبا وتالياً على العالم، وعليه فإن الحلف اليوم يمر بأوقات حرجة قد تكون هي الأصعب على الإطلاق، في ظل الظروف الدولية الراهنة والتطور العسكري الروسي والنمو الصيني، بمعنى آخر أي حديث عن حرب باردة جديدة غير وارد، لأن الحلف ودوله غير قادرين على فرض مواجهات سياسية واقتصادية وعسكرية، فالدول المستهدفة قطعت أشواطاً كبيرة في بناء قدراتها، وباتت اليوم أرقاماً صعبة لا يمكن تجاوزها.
وعليه فإن الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الحلف ليس إلا همروجة إعلامية فشل منظموها في الإيحاء بأنهم مازالوا ممسكين بزمام المبادرة في أي قضية بالعالم، والمشاكل بين أعضاء الحلف كافية للبرهان على ذلك.
سنان حسن