ماكرون يواجه أكبر تحدٍّ.. إضراب عام مفتوح وتظاهرات في 250 مدينة فرنسية
بعد عام من الاحتجاجات الشعبية التي قادتها حركة السترات الصفراء، تنديداً بسياسات حكومة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاقتصادية، دخل العمال الفرنسيون في إضراب عام شمل كل القطاعات، من بينها المواصلات والتربية والصناعة والتجارة وغيرها، احتجاجاً على نظام التقاعد الجديد في البلاد.
وشهدت شوارع العاصمة الفرنسية باريس اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد المحتجين، الذين كان بينهم عمال السكك الحديدية ومعلمون وموظفون في القطاع الصحي، شاركوا في احتجاجات هي الأكبر منذ عقود.
الإضراب الحالي يعد الأوسع نطاقاً خلال السنوات الأخيرة، ويعتبر تصعيداً حقيقياً في المواجهة بين ماكرون والنقابات في فرنسا، التي شهدت منذ تشرين الثاني عام 2018 تظاهرات واحتجاجات قادتها حركة السترات الصفراء ضد سياسات ماكرون وللتنديد بارتفاع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالبها لتشمل إسقاط الضرائب التي أقرتها الحكومة الفرنسية، والتي ترى الحركة أنها تستنزف الطبقتين العاملة والمتوسطة، فيما تقوي الطبقة الغنية، واستخدمت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، واعتقلت العشرات منهم. وأدى الإضراب، الذي اعتُبر الأكبر في تاريخ البلاد، إلى إخلاء الطرقات حركة وسائل النقل العمومية (مترو الأنفاق، ترام، قطارات البطيئة والسريعة)، كذلك النقل الجوي والبحري، كما أقفلت الدوائر الأمنية كالشرطة المحلية والعامة ومكاتبها الفرعية بالمدن، وموظفي القطاع الصحي والطلاب والموظفين الحكوميين، كذلك أعلنت نقابات المحاميين والفلاحين والعمال، مشاركتها بالإضراب.
ومن المتوقّع أن يستمر الإضراب لغاية يوم الأحد المقبل على الأقل، وسط دعوات لتنفيذ إضراب مفتوح.
وتعد خطوط المترو بمثابة الشريان الحيوي لواحدة من أكثر المدن اكتظاظاً في أوروبا، حيث يعتمد الجزء الأكبر من الباريسيين في مواصلاتهم اليومية على قطار الأنفاق.
الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية “إس إن سيه أف” أعلنت عن توقّف 90 بالمئة من القطارات السريعة عن العمل، وتعليق العمل في أغلب قطارات الأنفاق في العاصمة باريس، فيما أعلنت الخطوط الجوية الفرنسية إلغاء عدد من الرحلات، كما حذّرت بعض الشركات الجوية الأخرى من اضطرابات على خطوطها المتوجّهة والقادمة من فرنسا، وألغت شركة إيزي جيت 250 رحلة جوية داخلية.
وفي قطاع التربية تمّ إغلاق نحو 50 بالمئة من المدارس، منها 70 بالمئة في باريس.
وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، نظّم في مختلف أنحاء فرنسا 250 مظاهرة، أكبرها في العاصمة باريس، وألحقت تلك المظاهرات ضربة موجعة بقطاع النقل في فرنسا.
وطالت المظاهرات برج إيفل، أحد أبرز رموز العاصمة الفرنسية، الذي لا يستطيع السياح زيارته حالياً بسبب الإضراب.
وتحصّنت سلطات باريس داخل القصر الرئاسي، ونشرت ستة آلاف شرطي في المدينة، فيما أمرت السلطات المحلية بفرض حظر على التظاهر في عدة مناطق، بما فيها شارع شانزليزيه والقصر الرئاسي والبرلمان وكاتدرائية نوتردام.
ويأتي هذا التحرّك خصوصاً للإعراب عن رفض النظام التقاعدي الشامل الجديد القائم على النقاط، والذي يفترض أن يستبدل 24 آليةً معمولاً بها حالياً من الآليات الخاصة بالموظفين والعاملين في القطاع الخاص إلى الأنظمة الخاصة والمكملة، في حين تعهّدت الحكومة بأن يكون النظام الجديد “أكثر بساطة وعدالة”، لكن المناهضين للتعديل يتوقّعون أن يؤدي إلى انعدام في الاستقرار لدى المتقاعدين.
الأمين العام لنقابة القوى العاملة في فرنسا ايف فيريه اعتبر أنه في هذا الأسبوع يجب المراهنة على خطوة كبيرة جداً.
والإضراب المفتوح، الذي قد يستمر لأيام، يحمل أوجه شبه مع المواجهة التي وقعت بين تشرين الثاني وكانون الأول من العام 1995 بين الحكومة والنقابات، والتي شلّت البلاد لنحو ثلاثة أسابيع.
وفي محاولة مواجهة هذا الإضراب دعت الحكومة الفرنسية العمال لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنّب الشلل على العاملين، حيث ناشدت وزيرة العمل موريال بينيكو أرباب العمل في فرنسا لاعتماد تسهيلات مع العمال في حال الغياب أو التأخر، وكذلك تعزيز مبدأ العمل من المنازل، كما دعت الحكومة إلى بعض الإجراءات الأخرى كتخصيص حافلات خاصة لنقل الأشخاص أو تشارك السيارات أو استئجار الدراجات.
وتعد هذه الاضطرابات اختباراً حرجاً بالنسبة لماكرون، الذي اتخذ من الوعد بإصلاح نظام التقاعد أحد أهم بنود برنامجه الانتخابي، فيما تظهر استطلاعات الرأي أن معظم الفرنسيين يعتقدون أن بلادهم تمر بأزمة اجتماعية، وكشف استطلاع أجرته منظمة “آي. إف. أو. بي” أن 76% من مواطني البلاد يؤيدون إصلاح نظام التقاعد غير أن 64% لا يثقون بحكومة ماكرون في قدرتها على التغيير الناجع.