بحاجة لهم!
لا يشكل الإقرار بصعوبات الواقع المعيشي حالة من الضعف، وجزءاً من منظومة إحباط الشارع أو كما يسمونها تعميم حالة “الوهن” داخل المجتمع.. ولا يندرج الخوض في سوء الواقع الوظيفي الرقابي، وفساد العديد من المفاصل الوظيفية ضمن لائحة المحاولات الهادفة إلى تشويه العمل المؤسساتي أو النيل من هيبة الدولة، والترويج للفشل في القطاع الخدمي وخاصة في هذه الظروف المستعرة بأبشع الوقائع والأزمات الاقتصادية التي تلاحق الجميع دون استثناء.
ما نريد قوله أو الإشارة إليه أنه في هذه الأيام الصعبة تزداد الحاجة إلى وجود أولئك المصنفين في خانة أصحاب الأكف البيضاء الذين يتفانون في خدمة عملهم الوظيفي ويؤدون الأمانة بإخلاص، ولكنهم وللأسف يستبعدون بطريقة أو بأخرى، وفي ذات الوقت أغلبهم ينأى بنفسه عن قصد لأسباب مختلفة، ومنها كما يقولون تجارب أو دروس من سبقوهم الذين خدموا بأمانة وإخلاص، وتم تحييدهم فيما بعد بأساليب خارجة عن الضوابط الإدارية والقانونية.
ومن ثَم خضعوا وللأسف إلى محاكمة اجتماعية قاسية جداً في أحكامها، حيث تقف سنوات خدمتهم الطويلة أمام قوس العدالة المجتمعية في مواجهة تسقط فيها كل القيم والمفاهيم التي تمجد النزاهة والكفاءة أمام مفهوم المال والثراء، ومن المؤسف أن تلعب همسات الناس وشائعاتهم دور الادعاء الكاذب الذي يحشر هذه الشخصيات في قفص الاتهام الكيدي بضعف الشخصية وعدم امتلاك ناصية القرار.. فهذه الفئة وحسب المفهوم الشعبي السائد مجرد دمى كرتونية تحركها أيدٍ خفية تصادر قرارهم وتنتزع منهم أي فرصة لاستثمار الكرسي لصالح المنفعة الذاتية، ثم يأتي الحكم النهائي ليجهز على ما تبقى من نظافة اليد والسجل بحيث تختزل كل التسميات والأحكام بكلمة واحدة ووصف لعين (ح…..) يجلد الإمكانات العقلية والقدرات الذهنية لكل من حافظ على المال العام، ومنع وتصدى للفساد الذي ينخر في مؤسساتنا دون حسيب أو رقيب.
وفي المقابل ومن خلال المعطيات وواقع حال كافة الحلول التي تتم نجد أن قوة الأكف السوداء التي تصفع أي محاولة إنقاذ معيشي وأي جهد يبذل من أجل إنقاذ لقمة عيش الناس تزداد. وهنا نتحدث عن قصور قانوني مخيف وخاصة لناحية التنفيذ، فهناك أكثر من باب للخروج من أقفاص المساءلة التي باتت أكثر هشاشة وضعفاً رغم الحاجة إلى قوانين وقرارات استثنائية يمكن من خلالها إيقاف النزيف المعيشي، وهناك الكثير من الصيغ التي يمكن تطبيقها بالتعاون والتنسيق بين الجهات المعنية، فانقلاب الموازيين في هذه الأزمة الخانقة، وانهيار منظومة القوانين الرادعة أدى إلى اختلاط الأوراق والتشويش على رادار الإصلاح خاصة مع بطء مسارات التنمية الإدارية وتأخر قراراتها.
باختصار يوماً بعد يوم تزداد الحاجة إلى تفعيل المحاسبة، وعدم الاكتفاء بتلك المنظومات المطاطية من القوانين التي تدار كما يشاء البعض.. وبالعودة إلى أصحاب الأكف البيضاء الذي يظلمون شعبياً ورسمياً نسأل أيضاً.. كيف يمكن مكافحة الفساد وزرع ثقافة القيم النبيلة في أدبيات العمل الوظيفي، عندما يجرد من هم في مراتب (المثل الأعلى والقدوة الحسنة) من الرعاية والاهتمام، وعندما تحال أوراق نزاهتهم إلى مقصلة الواقع النابض بالفقر والمعاناة.؟ وهل ستتم رعاية ومساعدة من ينتمي إلى أصحاب الضمير الوظيفي بعد تفعيل “قانون كشف الملاءة المالية” أم تبقى الأمور على حالها فيضيع “الصالح بالطالح” كما يقال؟!
بشير فرزان