نحو نزع “الحصانة” عن كبار المهربين..!
لا يسعنا إلا أن نبدي تفاؤلنا بخطة مديرية الجمارك القاضية بفرض طوق جمركي “من العيار الثقيل جداً” على محيط المدن ومداخلها الرئيسية والفرعية، والاستعاضة بهذه الخطة عما كانت تنتهجه الجمارك سابقاً والمتمثل بـ”أي محل فيه مهربات هو هدف للجمارك..!”.
تعويلنا على النهج الجديد للجمارك نابع بالدرجة الأولى من قلب معادلة التعاطي مع العرف السائد في هذا المجال.. إذ إنه وبحكم هذا العرف كان صاحب أي محل مستهدف من قبل عناصر الجمارك يتهيأ لـ”إكرام الشباب” على وجه السرعة لدرء مخاطر مشادة كلامية يكون هو الخاسر فيها..!
فنادراً ما تفضي “الملاسنة” بينهما إلى تسطير ضبطٍ قانوني عادلٍ لا تشوبه شائبة، بل غالباً ما تكون النتيجة إما دفع “أتاوة” بشكل دوري لغض الطرف عما يزخر به هذا المحل أو ذاك بمهربات مما لذّ وطاب، أو تنظيم ضبط بحق محل لديه سلعة مشتبه بتهريبها دون أن يكون له ذنب بذلك، كون أنه اشتراها من موردي أحد “الحيتان” التي تعجز مديرية الجمارك العامة عن مقارعتها، ولنا ببسطات الدخان مثلاً، إذ نجد أن غلمانها يتعيشون على ما يمدهم كبار المهربين من هذه المادة، ولدى الملاحقة “الاستعراضية” يتم القبض على الغلمان دون الكبار..!
فالأصل أن تجتهد الجمارك بضبط الحدود من الأساس، وهو النهج الذي اعتمدته الجمارك مؤخراً؛ وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية ووزارة المالية، والتشدد بملاحقة كبار المهربين الذين ربما لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وأغلب الظن أنهم معروفون من قبل الجمارك..!
كما أنه بحكم المنطق العام لسيرورة العمل لا يجوز ملاحقة أية سيارة عبرت الحدود السورية، فعبورها هذا، يعني الموافقة الرسمية على ما تحمله من بضائع، فبأي منطق يتم “مداهمة أي محل تجاري”..!
ونشير في هذا السياق إلى أننا بالطبع مع مكافحة التهريب قلباً وقالباً، ولا نصطف مع أي مهرب مهما صغر أو كبر، ونشد على أيدي الجمارك بهذا الخصوص، لاسيما أن بعض المصادر الرسمية تقدر قيمة ما يدخل من مواد مهربة إلى القطر بـ250 مليون دولار شهرياً، ولعل عدم انقطاع أية سلعة –خاصة تلك الفاخرة منها- من أسواقنا يؤكد هذا الرقم، ويشير بالوقت ذاته بشكل أو بآخر إلى “الحصانة غير الشرعية” لكبار المهربين، لكن مداهمة المحل التجاري ليست الوسيلة الناجعة أبداً، كونها باباً من أبواب الفساد بامتياز، وحتماً نتائجها السلبية أكبر من نظيراتها الإيجابية التي قد تكون معدومة..!
إذاً ووفق ما تم الإعلان عنه.. فالمديرية العامة للجمارك تبدي جدية حقيقية بمكافحة التهريب.. ولا يبقى لنا إلا انتظار ما ستسفر عته نتائج خطتها الجديدة ولا سيما لجهة مقارعة كبار المهربين على المنافذ الحدودية بدلاً من ملاحقة فلولهم وأتباعهم في عقر دارهم، بغية تحقيق نصر إعلامي لا صدى فعلياً له..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com