مع تعدد وسائل التواصل والمعرفة.. ثقافة الجيل الجديد من يؤسس لها اليوم؟
نسمع أحياناً من قبل البعض ممن يحملون هموم الجيل الجديد ويتمنون له أن يكون الأفضل بعض التساؤلات في مقدمتها ابتعاده عن الكتاب والقراءة، لكن بطبيعة الحال عندما نكون أمام أجيال مختلفة سيبقى السجال مستمراً ولن ينتهي لكن لو طرحنا السؤال بصيغة مختلفة وأكثر شمولية تتعدى العلاقة مع الكتاب والقراءة “من يؤسس لثقافة الجيل الجديد وهل يسير ذلك في الإطار الصحيح؟ ماذا ستكون الأجوبة عليه وكيف، فطرحنا هذا السؤال على رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب محمد الحوراني وعلى رئيس تحرير مجلة أسامة الشاعر قحطان بيرقدار، وحاولنا التواصل مع جهات أخرى لها علاقة مباشرة بصناعة الكتاب لكن للأسف كان الرد الاعتذار عن المشاركة لأسباب مختلفة.
مسؤولية النخب والمؤسسات
في إجابته اعتبر الشاعر محمد الحوراني أن الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية عموماً وسورية خصوصاً أثبتت أن ثمة مشكلة حقيقية في تحصين المجتمع وتعميق مناعته الفكرية والثقافية، ذلك أن تحصين المجتمع من شأنه أن يجعله منيعاً أمام المخططات التي تستهدف المجتمع في فكره وثقافته ووعيه، لا بل إن تحصين المجتمع من خلال التوعية هو المهمة الأسمى الملقاة على كاهل النخب المثقفة والمؤسسات التي ينبغي عليها التصدي للعمل الثقافي والفكري والتربوي والتوعوي وهنا لانتحدث عن وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب فقط وإنما نضيف إليهما الإعلام والتربية والتعليم العالي والاتحاد الوطني للطلبة والشبيبة والطلائع.
ثورة في المفاهيم والمناهج
ويتابع الحوراني عندما نتحدث عن هذه الوزارات والنقابات فإنما نتحدث عن ثورة في المفاهيم والمناهج والخطط الثقافية وتشبيك في الاستراتيجيات التي ينبغي عليها إشراك الناس جميعاً في التخطيط والاقتراح والتنفيذ وهذا من شأنه أن يؤدي إلى خلق جيل أكثر وعياً لحاضره ومستقبله، فالجيل الجديد غدا أكثر وعياً مما كانت عليه حال الأجيال السابقة وبالتالي لابد من إشراكه في العملية التثقيفية والتنموية والخطط المستقبلية النهضوية ذلك أن الشباب يمتلك طاقات هائلة في مختلف المجالات فضلا عن رغبة جامحة في الإسهام بالعمل والمشاريع الثقافية وعندما يوجد في المؤسسات من يمد يده لجيل الشباب فإنه بلا شك سيجد الكثير منهم على أهبة الاستعداد للعمل وتحقيق واقع ثقافي أفضل مما هو عليه الحال، وعندما لايوجد من يحتضن هذه الطاقات والمواهب الشابة أو من يعجز عن ملء الفراغ من النخب الوطنية فإن أصحاب المشاريع التي ترهن نفسها للخارج ستأتي لسد الفراغ واستيعاب الطاقات الشبابية وستجد الكثير من الشباب جاهزاً للعمل معها وبالتالي تكون المؤسسات والنخب هي التي قصرت في واجباتها تجاه الشباب.
الاشتغال على الإنسان
ويرى الحوراني أن من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق النخب والمؤسسات تقوية الشعور بالانتماء وتقوية المناعة الذاتية لدى الشباب، والحقيقة أن الثقافة تشكل نسغ المناعة وتعزز الشعور بالمسؤولية لدى جيل الشباب ومن ثم يكون الشباب أكثر قدرة على التصدي للمخططات والمؤامرات الخارجية، وتزداد المسؤوليات الملقاة على كاهل النخب والمؤسسات في زمن الحروب والكوارث وهنا ينبغي على النخب والمؤسسات أن لاتكون بعيدة عن الشباب وإنما متماهية معهم محاولة وضع اليد على المرض وساعية لعلاجه والتخلص منه، وأننا بأمس الحاجة للاشتغال على بناء الإنسان وإعماره لأنه هو الأساس والاشتغال عليه هو المشروع الحقيقي والأهم وهذا يبدأ من البدايات الأولى للإنسان ممثلة بمرحلة الطفولة ومن ثم المراهقة والشباب لا بل إن الواجب على المؤسسات الثقافية أن تستثمر في بناء الإنسان وتثقيفه قبل أن تستثمر في أي شيء آخر، وتبقى الثقافة هي الأكثر أماناً وضمانة وحصانة عندما ينجح القائمون عليها في استثمارها وإيصالها بالطريقة المثلى للمتلقي وبالتالي يمكن خلق مجتمع قوي ومنيع ومتماسك وعصي على الأعداء.
المجتمع كله مسؤول
ويعتبر الشاعر قحطان بيرقدار رئيس تحرير مجلة أسامة أن قضية العزوف عن القراءة والكتاب في ظل الشابكة والتطور الكبير في وسائل التواصل الإلكترونية الحديثة هي قضية عامة لا تخص شريحة الجيل الجديد فحسب بل تتعدى ذلك إلى شرائح المجتمع كافة فمن المؤسف القول إننا أصبحنا في عداد المجتمعات التي لا تقرأ ولهذا أسباب كثيرة وعميقة لعل أبرزَها الوضعان الاقتصادي والسياسي وتأثيرهما في المجتمع ككل، ويبدأ التأسيس لثقافة الأجيال الجديدة من الأسرة ولا ريب في أن لها دوراً كبيراً في بناء ثقافة الجيل وتعزيزها عبر غرس حب القراءة لديه وجعلها عادة يومية سواء أكانت ورقية أم إلكترونية، ثم يأتي دور المدرسة التي تعد الجيل الجديد على نحو منظم ليكون متعلماً كما ينبغي ويُضاف إلى دور كُلٍّ من الأسرة والمدرسة دور الهيئات المعنية بالأطفال في المجتمع بأسره، أي أن المجتمع بكل مؤسساته مسؤول أولاً وأخيراً عن الجيل الجديد ولا يتحقق ذلك إلا بضرورة توافر مشروع وطني يُعنى بالجيل الجديد من المناحي كافة ويضطلع به المجتمع ككل على نحو منظم ومدروس.
غياب المشروع المستدام
ويتابع بيرقدار: أما إذا كان التأسيس لثقافة أجيالنا الجديدة يسير في الإطار الصحيح أم لا فلا ريب في أننا نحتاج إلى مزيد من إعادة النظر في كل ما نقدمه للأجيال الجديدة سواء في الأسرة أم في المدرسة أم في المجتمع ككل ولا ريب في أن غياب المشروع المستدام فيما يخص بناء الأجيال الجديدة وإعدادها هو السبب الأخطر وراء كل المشكلات التي نعانيها في هذا الصدد.
رأي شخصي
لو بحثنا في اتجاه آخر يرتبط مباشرة بالسؤال الذي طرحناه للنقاش ونظرنا بتجرد إلى حقيقة واقعنا الثقافي الحالي ككل وهل هو بخير؟ لنجيب عن ذلك تكفينا العودة لفترة زمنية ليست بالبعيدة جداً وأمكننا تتبع الفترة الذهبية لمسيرة أسماء كان لها تأثيرها البارز في المشهد الثقافي في سورية خصوصاً وفي الوطن العربي عموماً، لو طرحنا السؤال الذي سيقابل بالرفض من قبل الكثيرين كم عدد الأسماء المهمة اليوم والتي يمكن أن تتابع مسيرة من كتبوا سابقاً وبرزت أسماءهم في عوالم الرواية والقصة والشعر من غيبهم الموت أو أصبحوا اليوم في خريف العمر، وكم عدد الأسماء التي تملك تأثيراً حقيقياً في مسيرة الثقافة محلياً وعربياً، وكم عدد من يقدمون مؤلفات يمكن أن تحقق سجالاً معرفياً يبقى أثره ضمن العدد الكبير الذي يصدر عن جهات مختلفة وهل يحمل كل مايصدر هماً ثقافياً حقيقياً يمكن أن يؤسس لثقافة حقيقية لو بحثنا في عدد من يملكون مشروعاً ثقافياً مهماً خارج إطار التسويق والظهور الإعلامي فقط قد لايتجاوز عدد هؤلاء رقماً متواضعاً بالتأكيد لايمكن التعميم والمشهد لايخلو من بعض الأسماء المهمة ومن إصدارات لها وزنها في الحياة الثقافية.
بالعودة للسؤال الأول الذي بدأنا به بالتأكيد كلنا على قناعة بأن جيل اليوم لايعشق المطولات وهذا باعتقادي ليس من العيوب لأننا لانستطيع أن نطالبه بتتبع خطوات من سبقوه لأن واقع الحياة اجتماعياً وثقافياً يتغير ويفرض نفسه ولابد للجيل من مواكبة تلك التغيرات، ولسنا هنا لنناقش هل تلك التغيرات سلبية أم ايجابية المهم أنها تحدث ولها تأثيرها، والشيء الأهم أن يتناول النقاش ماذا نفعل واقعياً إزاء التغييرات السلبية التي تفرض نفسها على أجيالنا الجديدة؟ قد يقول البعض إن الثقافة في متناول الجميع وأن التطور جعلها أسهل بالتأكيد وهذا يحمل الكثير من الصحة لكن في الجانب الآخر كيف يمكن لنا أن نطالب الجيل الجديد بالقراءة وهو لم يحيا جو القراءة لا في المنزل ولا في المدرسة، وجميعنا نعلم أن حب القراءة يأتي بالتعود بالدرجة الأولى وكيف يمكن لجيل اليوم الذي نشأ في جو الأغنية الهابطة وفي جو المجموعات الشعرية والروايات التي لاتتعدى كونها كلمات منمقة لايجمعها شيء سوى أنها تقدم تحت عنوان واحد أن يتذوق الفن والأدب الحقيقيين المشكلة الحقيقية أننا أمام جيل ما إن فتح عينية على الحياة وأحياناً قبل أن يبلغ سن المدرسة وجد بين يديه الهاتف المحمول وأصبح رفيقه الدائم بكل ما فيه من مخاطر ربما كان أهمها ألعاب الفيديو التي تجعل من طفل اليوم إنساناً آلياً في تفكيره وفي علاقاته الاجتماعية ولو بحثنا على مستوى برامج الأطفال وماذا نقدم لطفل اليوم لننمي ثقافته خارج إطار المحطات وبرامجها التي تعمل على تدجين عقله وتخرجه من عالم الإبداع إلى عام التقوقع والانعزال، وسعيد الحظ من أبناء الجيل الجديد من استطاع أن يسلك خطاً مغايراً يتحدى فيه ماسبق وهم قلة للأسف.
جلال نديم صالح