هل هذا وَهْم؟!
عبد الكريم النّاعم
صديق أحترمه موقفاً، ونظافة، وجرأة، وقلَما راقياً، عقّب على فكرة طرحتُها، على صفحات التواصل الاجتماعي فقال ما معناه “فكرة العروبة وهْم”.
بداية أرجو أن نُحسن تطبيق القول: “اختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضيّة”، فنجسّد في تطبيقها الديمقراطية التجسيد الذي يليق بها، ورغم أنّني وآخرين كتبنا بقدر ما، فيما يتعلّق بالعروبة، لا سيّما بعد الهجمة المسمومة التي استفادت من هزال موقف حكّام الخليج، الذي أؤكّد أنّ بين أبنائه عروبيّين رائعين، فهماً، وموقفاً، وانتماء، وبذا يكون موقفنا واضحاً في إدانة الحكّام الذي رتّبهم، ونصّبهم، وحماهم الاستعمار البريطاني أوّلا، ثمّ الاستعمار الأمريكي، فكانوا خير خدم لمشاريعه، التي هي مشاريع صهيونيّة بامتياز.
أضع بين يدي هذا الصديق، وبين أيادي مَن يتبنّون هذا القول بدوافع، بعضها أيديولوجي، وبعضها الآخر دوافعه ليست بريئة من الأمراض المتعدّدة، الموروثة، والمعاصرة، والتي قصّرت الجهات المسؤولة في سدّ الثغرات التي يمكن أن تُتاح لها، فوجدت مع التدمير والتخريب الذي طال هذا البلد مُناخا مساعداً، وإذا كنت لا أتّفق معها في المنظور الأيديولوجي، فإنّني لا أشكّك في وطنيّة أحد، إلاّ الذين يخرجون علينا علناً، غير هيّابين، في تأييد ما يصبّ في طاحونة الغرب الاحتلالي،.. أضع بين يديه ما يلي:
-هل ما كتبه ساطع الحصري، وزكي الأرسوزي، وعصمت سيف الدولة، وكلّ الكتاب العروبيّين، في مشارق هذا الوطن وفي مغاربه، بما فيه من تدقيق، ومعالجات، وتمحيص، وتأصيل، هل هذا كلّه وهْم؟! وكيف للوهم أن يتحمّل تلك المقادير من الأفكار العميقة؟!
-هل كلّ ما كتبه شعراء العرب منذ بدايات القرن العشرين، من سليمان العيسى، إلى الجواهري، إلى الحجازي، إلى شعراء الأرض المحتلّة،.. هل كلّ ما كتبه شعراء الحداثة في هذا السياق، هل كان كلّه وَهْماً، وكيف للوهم أن يتّسع لأن تضرب في زرقته تلك الأجنحة المشتعلة بلهيب الحقيقة والأمل؟!
-هل وحدة هذه الأمّة، على الصورة التي أكّدها التاريخ، أيام حكم الأمويّين، والعبّاسيّين، والفاطميّين، هل كان كلّ ذلك وهْماً؟!
-هل كانت محاولة محمد علي باشا توحيد مصر وبلاد الشام، مستفيداً من حقائق التاريخ والجغرافيا، وعمق التواصل، هل كان ذلك وهْمأً؟!
-كيف نفسّر ذلك الموقف الغربي الاحتلالي، منذ نابليون، ومَن تلاه، منطلقين جميعاً من ضرورة أن تظلّ هذه البلاد العربيّة ممزَّقة، مُحتلّة، لمنع قيام دولة في مساحة شاسعة، زاخرة بكنوز الأرض المنهوبة، هل كان ذلك وهْماً؟!
-لقد حذّر الدارسون الإستراتيجيون الغربيّون باكراً من خطر قيام دولة واحدة في بلاد تسير فيها من طنجة إلى الخليج، ومن جبال طوروس إلى السودان، لا تحتاج فيها إلاّ إلى لغة واحدة، هي لغة القرآن الكريم، وأنّها لو أقيمت دولتها الواحدة فستكون خطراً على الغرب، بحسب منظورهم، وسوف تلجمه، وتحرمه من أن يسيطر على منابع الثروات فيها، هل كلّ هذا وهْم؟!
-هل تخطيط الكيان الصهيوني الاحتلالي، منذ بداية نشوئه، لأن يكون عسكريّاً، أقوى من جيوش العرب مجتمعة، هل هذا ليس فيه أيّة علامة، أو دلالة، وهل هذا وهْم؟!
-هل التظاهرات التي عمّت أنحاء العروبة، والتي شاهدناها، تأييدا لفلسطين، عدا دول الخليج نتيجة للقمع المفرط،.. هل التظاهرات التي رفعت علم فلسطين في المغرب، وفي الجزائر، وفي تونس، وفي السودان، وفي اليمن، وفي العراق، وفي لبنان، وفي الأردن، هل هذا تمسّك بوهْم، وصادر عن ينابيع واهمة؟!
-هل كانت الوحدة بين مصر وسوريّة، ومشروع الوحدة مع العراق، واللذان تكالبت كلّ قوى الشرّ على تفخيخهما من الداخل، هل كان هذا وهْماً؟!
-هي مجرّد إشارات، وعلامات، ولا يفوتني أن أشير أيضا إلى أنّ بدايات هذا الفكر العروبي، كانت رومانسية في تصوّراتها، على الرغم من صدقها، ومن طيب نيّاتها، ولعلّ ساطع الحصري كان أكثر استشرافا في رؤيته حين اقترح ما سمّاه “الولايات العربيّة المتّحدة”.
سلاماً لك في الختام صديقي الذي أقدّر.
aaalnaem@gmail.com