الانتخابات.. وتنشيط الحياة الحزبية
تشكّل حالة الانتخابات التي يشهدها حزب البعث العربي الاشتراكي حالة من الديمقراطية المتجدّدة، ويأتي إصرار القيادة الحزبية على إعطاء الشباب دوراً في العمل الحزبي بأنشطته المختلفة السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية نوعاً من التجديد الفكري والعملي للعمل الحزبي وإعادة تنشيط هياكله القيادية، وتعزيز قدراته على مواجهة التحديات الراهنة، خاصة وأنها تفسح المجال للشباب لممارسة دوره في وضع برامج وطنية تتسم بروح التجديد، وتسهم في تحديث العمل الحزبي الوطني بشكل يساير تطور الوعي المعرفي والعلمي والاجتماعي.
لاشك في أن جلّ الأحزاب السياسية قامت على أيديولوجيات عقائدية معيّنة تحمل أفكاراً ومبادئ تجسّد هذه الأيديولوجيات وتعمّمها على قواعدها، فكثيرة هي الأحزاب السياسية التي تشكّلت في منطقتنا العربية، سواء في مصر أو بلاد الشام أو المغرب العربي، وشكّلت مفصلاً مهماً من مفاصل الاستثمار السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي لعمل النُخب الفكرية المثقفة والوجوه الاجتماعية الوطنية التي مثّلت نواة عمل الكوادر الاجتماعية فيها، وأصبحت تمثّل مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وحتى ترفيهية وطنية تحت شعار التحرر من الاستعمار والحصول على الاستقلال، فكانت برامج تلك الأحزاب برامج منظّمة ومحدّدة الهدف في العمل والنضال السياسي.
وظل هذا الحراك الإيجابي سائداً في تلك المؤسسات حتى حصلت البلاد العربية على استقلالها، ليتمّ بعدها رفد هذا النضال السياسي والبرامج النضالية المناهضة للاستعمار ببرامج نهوض وطني على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بشكل يكرّس واقعاً جديداً في حياة الشعوب العربية قائماً على رسم الملامح الأساسية للدول بالشكل المؤسساتي، وفقاً للطرح الخلدوني لمراحل تشكّل الدول والانتقال من مرحلة العصبية إلى مرحلة التحضر.
وبعد رسم الشكل الأساسي للأطر الناظمة للمجتمعات العربية بدأت البرامج الاجتماعية والثقافية الحزبية بالتحضير للوعي الجمعي القائم على الانتماء للوطن، إلا أن هذه البرامج أتت أكلها لفترات زمنية ليست بالطويلة، وبعدها أصبح يشوبها نوع من الجمود والترهل انعكس بشكل سلبي على القواعد الجماهيرية لتلك الأحزاب، فأصبحت الستاتيكا الحزبية بجوانبها السياسية والاجتماعية والثقافية تسيطر على العمل الحزبي، سواء على صعيد البرامج المقدمة أو على صعيد النخب التي تفرزها تلك الأحزاب، ما شكّل نوعاً من الهوة والفراغ بين تطور الوعي المعرفي لكوادر تلك الأحزاب وبين تآكل البنى التنظيمية والفكرية وتكلّسها، وأصبحت برامج مستهلكة، وباتت النخب السياسية التي تفرزها تلك الأحزاب تتصف بالشح والزهد، ما دفع قواعده الجماهيرية إلى الهجرة الفكرية نحو الخارج للوصول إلى أنواع من الأفكار والقيم المولّدة للفعل الاجتماعي الغريب عنها والمستورد من مجتمعات تحمل أيديولوجيات وأفكاراً غريبة عن الأصول والأسس والبرامج التي أسس لها السياسيون والوطنيون السابقون.
بدأ هذه التهجين الفكري يمتد حتى على مستوى قيادات الأحزاب نفسها، والتي باتت تجسّد ببرامجها الاجتماعية والثقافية والفكرية نوعاً من البرامج التي تختلف عن الأيديولوجيات والثوابت التي كرّسها مؤسسو تلك الأحزاب التي قامت لأجلها.
ومن هنا تتضح أهمية تحقيق الانسجام داخل الأحزاب وتطور فكرها وعصرنة أساليب عملها ودمقرطة حياتها الداخلية، وتأتي الانتخابات في حزب البعث العربي الاشتراكي كحالة ديموقراطية تكرّس دور الحزب وفاعليته السياسية والجماهيرية تجسيداً لمشروع الإصلاح والتحديث والتطوير الذي قاده الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي السيد الرئيس بشار الأسد، وتكريساً لعملية الإحياء الفكري والثقافي البعثي من خلال ضخ الدماء الجديدة، وخاصة فئة الشباب عماد المجتمع والضامن الأساسي للحفاظ على الهوية الوطنية في المجتمع السوري.
أمجد سعود