قمة الناتو ترسخ الانقسامات والخلافات
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع لو غراند سوار 8/12/2019
اندلعت صراعات تجارية وجيو- سياسية بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين الرئيسيين أثناء انعقاد قمة الناتو في لندن في 3 و4 الشهر الجاري، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس حلف الناتو عام 1949، على خلفية ظهور أمريكا كقوة إمبريالية مهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن سرعان ما تحوّل الاحتفال إلى تبادل الاتهامات بين ترامب وماكرون اللذين لوّحا بتهديدات الحرب التجارية باستهداف مليارات الدولارات في التجارة الأوروبية الأمريكية.
مثّلت القمة مرحلة جديدة في انهيار المؤسّسات العالمية التي حكمت الرأسمالية العالمية منذ فترة طويلة. قبل ثلاث سنوات، حركت تهديدات البريكست بشنّ حرب تجارية ضد أوروبا ومحاولات برلين وباريس لبناء جيش أوروبي التوترات داخل الحلف. واليوم يبدو أن الناتو ليس لديه أي فرصة للتغلّب على هذه الانقسامات الداخلية غير القابلة للذوبان، بل يكثّف السياسات التي تقسّم التحالف وتشكل خطراً جسيماً في نشوب حرب عالمية ثالثة.
ألزم البيان الختامي الصادر عن القمة أعضاء الناتو بمئات المليارات من الدولارات في زيادة الإنفاق العسكري، والمزيد من عمليات نشر الصواريخ في أوروبا التي تستهدف روسيا والحرب في أفغانستان، ومراقبة الصين، وصيانة السلاح النووي، ما يزيد من خطر نشوب الحرب واستفحال أزمة الناتو. وعليه، فإن الصراعات الموضوعية والتاريخية بين القوى الإمبريالية، والتي تدهورت مرتين في القرن العشرين وتحوّلت إلى حرب عالمية، تنتعش من جديد. ذلك أن مقابلة ماكرون لخّصت اعتراضات واسعة النطاق في الأوساط الحاكمة الأوروبية على الحروب التي تشنّها واشنطن للتعويض عن ضعفها الاقتصادي المتزايد، منذ أن عمل تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 على حرمان الناتو من عدوه الأولي.
عارضت برلين وباريس عام 2003 الغزو الأمريكي الأحادي للعراق ونهب نفطها. وبالمثل، قال ماكرون إن السياسة الأمريكية الحالية تهدّد المصالح الأساسية لأوروبا. لقد تعامل مع سياسة الناتو في الشرق الأوسط باعتبارها “مشكلة كبيرة” منذ هزيمة الناتو في سورية وغزو تركيا للشمال السوري. ودعا ماكرون إلى التقارب مع موسكو، وأضاف: إن سياسته تجاه روسيا تهدف إلى تجنّب الخطر الحقيقي المتمثل في الحرب العالمية، وأنه يريد بناء موازين لمنع العالم من “الاحتراق”.
يعدّ قرار الناتو بتكثيف سياسته العسكرية بمثابة تحذير للطبقة العاملة، وأن تناقضات الرأسمالية التي حدّدها الماركسيون العظماء في القرن العشرين، قبل كل شيء بين الاقتصاد العالمي ونظام الدولة القومية، تمّ تأكيدها بشكل كبير في مواجهة التناقضات التي لا يوجد لديهم أي حلول لها، بينما تسير الطبقات الحاكمة الامبريالية معصوبة العينين إلى الكارثة خوفاً من الغضب الاجتماعي الذي يتصاعد بوتيرة عالية. وبالتالي تكمن المسألة الأساسية في الوقت الراهن في بناء حركة دولية مناهضة للحرب من قبل الطبقة العاملة. فمنذ عامين، عند تحليل النزاعات المتنامية داخل الناتو بعد استفتاء البريكست وانتخاب ترامب، أشار موقع WSWS إلى أن القوة التي ستظهر كبديل لأزمة السياسة البرجوازية هي الطبقة العاملة الدولية مدفوعةً للعمل من خلال ظروف معيشية لا تطاق، وتضخم البطالة الجماعية وانتشار البؤس الاجتماعي بعد عقود من التقشف والحرب. وفي الوقت الراهن تمّ تأكيد هذا التحليل من خلال تجدّد الصراع الطبقي في جميع أنحاء العالم، حيث اندلع أكبر إضراب ضد رئاسة ماكرون في فرنسا أثناء انعقاد قمة لندن.
وفي بحر عام 2019 نظّم مئات الآلاف من العمال في الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا إضراباً كجزء من موجة دولية ضخمة من الاحتجاجات السياسية ضد عدم المساواة الاجتماعية وقمع الشرطة، كما وقعت إضرابات ومظاهرات مناهضة للحكومة في العراق ولبنان والجزائر والسودان والهند وسريلانكا وبوليفيا وتشيلي وكاتالونيا وإسبانيا وبورتوريكو.
عودة الصراع الطبقي هذه توفر قاعدة اجتماعية للحركة ضد السياسة العسكرية للنخب الحاكمة، ولمواجهة خطر الحرب الإمبريالية، لذا لا بد من توحيد حركات النضال المتنامية للطبقة العاملة من خلال بناء حركة اشتراكية دولية مناهضة للحرب.