“الصمت” أداة الإعلام الغربي الجبانة
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “كيتلين جونستون” 6/12/2019
واصلت وسائل الإعلام الغربية مؤامرة الصمت على فضيحة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، دون أن تطال تغطيتها التسريبات التي ظهرت من المنظمة إلا بدرجة واهية، وهي تسريبات تشير إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا قصفت سورية العام الفائت بذريعة هجوم بأسلحة كيميائية لم يحدث قط، وإلى أن قيادة المنظمة ساعدت في التستّر على الموضوع.
إن تكتّم الإعلام الغربي على هذه القصة شديدة الأهمية جدير بالذكر، لا لأنه يحمل عواقب بعيدة المدى على مستقبل أجندة تغيير “النظام” في سورية وكسب ثقة الجمهور في الروايات الأمريكية عن الحرب فحسب، وليس لمجرد أن وسائل الإعلام التقليدية أثبتت صحة التسريبات، وليس فقط لأن الأسرار المخزية التي كشفت عن الكيانات القوية عادة ما تتسبّب بهيجان يجعل محرّر الأخبار يسارع إلى وراء مكتبه ليخفي ملامح الإثارة التي انطبعت على محياه، بل لأن ذلك جدير بالذكر أيضاً، ولأننا علمنا من مطلعين أن هناك مزيداً من التسريبات على الطريق.
كتب الصحافي بيتر هيتشنز على تويتر في وقت سابق “لازال هناك الكثير مما يلزم القيام به بشأن مراقبة الحقائق في دوما لدى لجنة مراقبة الغاز السام التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حان الوقت لكي تدرك وسائل الإعلام أن هذه قصة شديدة الأهمية، أم أنهم يملكون من الغطرسة ما يمنعهم من الاعتراف بأخطائهم؟”.
والآن مضى على هيتشنز فترة منذ أن بدأ الحديث عن ذلك، وهو من أوائل الذين نشروا رسالة البريد الإلكتروني المسرّبة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والتي كشفت عن وجود مؤامرة جليّة في الرواية الرسمية عن الهجوم المزعوم بغاز الكلور في دوما.
وكتب هيتشنز في مدونته: “يعرف فاضحو الفساد في المنظمة أكثر مما تمّ نشره، لكن إجراءات التحقق أبطأت من سرعة نشرها، وأتوقع نشر مزيد من الوثائق قريباً”. لذا لاتزال فصول القصة آخذة بالتكشف وستزداد كمية الفضائح في الأيام المقبلة، لكن عوضاً عن رواية قصة إخبارية مهمّة، التزمت وسائل الإعلام الصمت، والمناسبات الوحيدة التي علقت فيها على هذه القصة لم تكن سوى لنسبها إلى معلومات روسية “مضللة”!.
استُخدم مصطلح “أخبار كاذبة بالإغفال” ليصف هذا التكتيك الدعائي البغيض الذي تستخدمه وسائل الإعلام الإمبريالية، لتشوّه فهم الناس لما يجري في العالم من خلال رفضها ببساطة تغطية القصص الإخبارية التي لا تتلاءم ورواية الطبقة الحاكمة.
إن رفض إبلاغ الناس بأمور حدثت فعلاً يشوّه نظرتهم للعالم بنفس قدر إبلاغهم بأمور لم تحدث مطلقاً، لكن وسائل الإعلام لن تحاسب أبداً على الفعل الأول المتمثّل بالرفض، بينما مشاركتها في الفعل الثاني يجبرها على تقديم تراجع محرج وستفقد مصداقيتها أمام الجمهور، لذا فإن تقديم أخبار كاذبة من خلال إغفال بعض التفاصيل هو أسلوبهم المفضّل في خداع الناس.
يظنّ الناس أحياناً أن وسائل الإعلام السائدة تكذب على الدوام، ولا تقوم سوى بتلفيق قصص حول ما يجري، لكن الأمر لا يجري عموماً على هذه الشاكلة، فالكاذب البارع لا يكذب طوال الوقت، ولن يروي أكاذيب كاملة مالم تلزمه الضرورة، بل ما يفعله أكثر خسّة وأشد فاعلية، إذ يدور حول الحقيقة ويحرفها، فتراه يقول نصف الحقيقة ويشدّد على تفاصيل تافهة ويهمّش التفاصيل المهمّة، ويبلغ ما يقوله المسؤولون دون نقد ويكذب بالإغفال.
مع ذلك، فالإخفاء التام لتسريبات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ليس من شيم وسائل الإعلام الغربية، إذ كان لدى الصحافة الإمبريالية أساليب مكّنتها من إخفاء القصص المزعجة منذ أن بدأت الصحف، كإذاعة قصص في وقت متأخر من يوم الجمعة، وعرضها في “صفحة الوفيات” المتمثّلة بالصفحة “2” (لأن القصص التي توضع فيها لا تولى أي أهمية)، وتأجيلها إلى أن تظهر قصة كبيرة أخرى، فيتمّ نشرها دون أن يلحظها أحد نسبياً، والانتظار إلى أن يتمّ تحطيمها في منشور قذر يثير الشك في صدور الناس، أو عرض مقال معارض في الوقت نفسه للدوران حول الحقائق المزعجة بطريقة أكثر إثماراً، لكنهم، في النهاية، عادة ما يذيعون القصة، بطريقة أو بأخرى، بحيث يُنظر إليهم وكأنهم لا يخضعون للرقابة، لكن ليس هذه المرة، فالتكتّم الفريد لوسائل الإعلام الغربية على فضيحة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يشوّه صورتها بالكامل.