“رفيق طلعت”.. مناضل بالكلمة واللحن والسلاح
من يبحث في الأرشيف الفني للفنان رفيق طلعت سيجده زاخراً بالكثير، فالبعض يدعوه بالمايسترو ومنهم من يقول المؤلف والملحن والموزع الموسيقي، والحقيقة هو أكبر مما سبق لأنه أثبت عبر مسيرته أنه الفنان الملتزم الذي ناضل بالكلمة واللحن والسلاح لتحقيق حلمه في إحياء الفن الوطني الملتزم، ليأخذ المكانة التي يستحقها على عرش الفن الحقيقي، الجانب الأجمل في لقاء هذا الفنان الذي أمضى العديد من السنوات في العمل مع مدارس أبناء الشهداء ليس فقط مايملكه من رصيد فني وخبرة باتت اليوم من القليل النادر، بل أيضاً ذلك التواضع منقطع النظير لإنسان حساس يفضل العمل أكثر من الكلام.
“البعث” التقت مع الفنان طلعت والبداية كانت مع نبذة عن حياته حيث ولد في دمشق عام 1953، توفي والده باكراً وعاش في كنف والدته وأخيه وجده لأمه، هذا الجد الذي كان أحد رجال الثورة السورية الكبرى وهو من زرع حب الوطن والتفاني من أجله في نفس طلعت الطفل الذي اضطر لاحقاً للدراسة والعمل لإعانة أسرته على ظروف الحياة في سن العاشرة، ثم خطا خطوته الأولى في الفن بانتسابه للمعهد العربي للموسيقا، إذ تعلم العزف على آلة البيانو، لكن بسبب ارتفاع ثمنها وعدم تمكنه من شرائها التفت للعزف على آلة الأوكورديون وتتلمذ على يد الأستاذ أحمد أيوبي.
الحس الوطني الذي تربى عليه الفنان طلعت انعكس لاحقاً على مسيرة حياته بأكملها فقد انتسب إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وخضع للعديد من الدورات القتالية كما شارك في حرب تشرين التحريرية على خطوط المواجهة الأولى أثناء تأديته الخدمة الإلزامية وتعرض للإصابة، لكنه استمر على الخطوط الأولى، كما شارك في العديد من الفعاليات الوطنية والمهرجانات المحلية والعربية والدولية ونال العديد من الجوائز عن أعماله التي حرص من خلالها التركيز على الفن الوطني المقاوم والهادف.
إعداد جيل قادر على البناء
بعد مرور هذه السنوات على تأسيس فرقة الشام وإلى أي مدى استطاع هذا الفنان أن يحقق مشروعه من خلالها في تقديم ونشر الفن الملتزم يقول: استطعت من خلال فرقة الشام نشر الأغنية الملتزمة حيث قدمنا عدة أعمال من كلماتي وألحاني منها: (أوبريت شمس الأحرار- جولاننا وجداننا- زفاف استشهاد نجمة- سورية أم الناس- مشوار- وعاد القطار- أوبريت تدمر الحضارة- وعرس النصر) وجميعها أعمال وطنية تحاكي الأرض والإنسان وتعزز دور الشهادة والمقاومة والانتماء، وشاركت الفرقة بعدة مهرجانات محلية ودولية.
في أحد اللقاءات التلفزيونية تحدث طلعت عن الغزو الثقافي الذي يحاول أن ينتزع هويتنا وفننا الملتزم وعن المسوؤل في مواجهة هذا الغزو يتابع: الغزو الثقافي والفكري حدثنا عنه القائد الخالد منذ سنوات وحذرنا منه لأنه يستهدف هويتنا لكن وبشفافية المسؤول الأول عن التصدي لهذا الغزو الثقافي كان لمنظمتي شبيبة الثورة وطلائع البعث، لأنهما المنظمتان المسؤولتان عن إعداد وتثقيف الجيل وطنياً وفكرياً وأتمنى أن يتم اختيار المسؤولين القائمين على هاتين المنظمتين وفق معايير وأسس دقيقة من المعرفة التربوية ليكونوا مؤهلين بالشكل المطلوب للتعامل مع جيل الطفولة والشباب ليكونوا الطليعة المثقفة والواعية القادرة على بناء المجتمع والنهوض به والدفاع عنه.
رسالة وطنية صادقة
بعد سنوات طويلة من الشغف بالفن استطاع طلعت أن ينقل حب الموسيقا لابنته بتول وهي عازفة بيانو تخرجت من الجامعة باختصاص إدارة أعمال وبقيت الموسيقا بالنسبة إليها مجرد هواية، ولدى سؤاله لماذا لم يفكر بالخوض في مجال تأليف الكتب الموسيقية لأن مكتبتنا بحاجة لهذا النوع من الكتب التي تختلف عن الكتب المترجمة أوضح طلعت أنه بصدد الانتهاء من تأليف كتابه “الشامل في الموسيقا” الذي سيرى النور قريباً، وخلال مسيرته الطويلة قام بتلحين القصيدة والأغنية الوطنية. وعن رأيه في استمرارهما لأجيال متعاقبة قال: الأغنية والقصيدة الوطنية تكون خالدة عندما تحمل رسالة وتحاكي الواقع ونابعة من البيئة وصادقة، ومع الأسف كثير من الأعمال التي يسمونها وطنية لاتحمل مقومات الأغنية الوطنية لأنها لاتؤدي رسالة فمثلا أناشيد (موطني- بلاد العرب أوطاني- نحن الشباب- في سبيل المجد) كلها أناشيد خالدة ومخلدة لأن القصيدة تحمل معاني وكلمات سامية وجاء اللحن ليرتقي إلى مستوى القصيدة وبالتالي بقيت هذه الأناشيد في الذاكرة ولاتنسى لأنها تؤدي رسالة وطنية صادقة.
جلال نديم صالح