جرائم نتنياهو
قسم الدراسات
بعد سنوات من التحقيق وشهور من التأخير، اتهم المدعي العام في الكيان الإسرائيلي أفيشاي ماندلبليت رسمياً بنيامين نتنياهو بجرائم تتراوح بين انتهاكه لثقة الجمهور، والرشوة والاحتيال. القضية ليست جديدة، ففي الماضي، كانت عائلة نتنياهو قد اتهمت ببعض من أكثر أشكال الفساد التي لا يمكن لأي إنسان أن يتخيّلها. على سبيل المثال، أدينت زوجته بأخذ الزجاجات الفارغة من المشروبات المستهلكة في وظائف الدولة الرسمية لإعادة تدويرها. كما أنه معروف أيضاً أن نتنياهو كان يجلب “الغسيل القذر” من منزله ويرسله إلى الفندق الذي يقيم فيه لليلة واحدة أثناء قيامه برحلات رسمية حتى يتمّ تحميل فاتورة التنظيف على ميزانية الدولة، هذا هو نوع السرقة البسيطة التي اشتهر بها نتنياهو.
بالنظر إلى لوائح الاتهام الأخيرة ضد رئيس وزراء الكيان، من الواضح أنها قد تخرج إلى أشكال أكبر من الغش والفساد. لكن الأمر المذهل هو أن جميع الجرائم التي وجّهت إليه هي عبارة عن تهم كانت تركز على إرضاء غروره أو شهيته، ومنها علاقاته مع رجال أعمال مقابل الحصول على مئات الآلاف من الدولارات على شكل هدايا، وفي حالات أخرى كانت الصفقات الفاسدة مع وسائل الإعلام والتي وعدهم بفوائد مقابل ضمانهم له تغطية إيجابية في منافذ الأخبار الخاصة بهم.
ليس هناك شك في أن سلوك نتنياهو في جميع هذه الحالات كان إجرامياً، وكما وصفه النائب العام، خرقاً لثقة الجمهور. لكن ما هو مدهش ومقلق للغاية، هو أن هذه الجرائم تكتسب أهمية أخرى عند مقارنتها بما فعله نتنياهو بالشعب الفلسطيني وعملية السلام برمتها، وهي جرائم لن يحاسب عليها.
بعد أوسلو، نظم نتنياهو “لوبي” خلفياً معارضاً لاتفاقات السلام في الكونغرس الأمريكي. كانت هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها لوبي إسرائيلي في الولايات المتحدة لمعارضة حكومتهم، وهنا كان يجب أن يكون متهماً بالخيانة.
وخلال الفترة نفسها، قاد بالاتفاق مع أرييل شارون حملة تشهير ضد رئيس الوزراء في ذاك الوقت اسحق رابين. كانت الحملة عنيفة لدرجة أن العديد من الإسرائيليين، بمن فيهم زوجة رابين، حمّلوا نتنياهو مسؤولية اغتيال رابين، وهنا كان يجب اتهام نتنياهو بالتحريض.
في عام 1996، تم انتخابه رئيساً للوزراء على منصة مكرسة لإنهاء عملية السلام، وفعل كل ما بوسعه لإبطاء وتشويه، وتخريب عملية أوسلو في نهاية المطاف، وهنا كان ينبغي أن يكون مسؤولاً عن تدمير احتمالات السلام وتعريض حياة الملايين للخطر.
وخلال فترة ولاياته الثلاث الأخيرة في منصبه، حرّض على العنف والكراهية ضد الفلسطينيين، حتى أولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال. وقد أدى ذلك إلى تأجيج حركات المستوطنين المتطرفة التي تورطت في أعمال عنف يومية وتدمير الممتلكات والقتل. كما شجّع الجنود في الجيش الإسرائيلي على قتل الفلسطينيين العزل، ودعمهم عندما وجّهت إليهم تهم بارتكاب جرائم. إضافة إلى ذلك، كما فعل مع رابين، فقد اتهم زوراً خصومه الإسرائيليين بالاقتراب من العرب واتهم المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بأنهم أعداء للدولة، وهنا كان يجب أن يكون متهماً بجرائم الكراهية.
خلال فترة وجوده في منصبه قام بتوسيع المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المسروقة، وهدم الممتلكات الفلسطينية، والإشراف على عدد من الهجمات المدمرة على غزة والتي أسفرت عن المذبحة العشوائية لآلاف المدنيين الأبرياء، وتدمير البنية التحتية لغزة، وفرض حصار قاسٍ على سكان غزة والإبقاء عليه كعمل عقاب جماعي تم فيه تقييد الغذاء والدواء والمواد الأساسية الأخرى لفترات طويلة من الزمن أو تنظيمها بشدة، مما أسفر عن وفاة ملايين الناس الأبرياء ومرضهم وإفقارهم، وهنا أيضاً كان ينبغي أن يكون متهماً بارتكاب جرائم حرب.
إن السفر عبر فلسطين يعني اتباع مسار جديد من القمع، ففي كل مكان توجد أبراج حراسة وأسلاك شائكة وجنود إسرائيليون منتشرون بأسلحتهم حول جدار الفاصل. ما يعني أن اضطهاد الفلسطينيين يعدّ جزءاً من نمط عمليات القتل والتشويه الروتينية التي تقوم بها إسرائيل، وتتعدى آثار عمليات الاختطاف وإطلاق النار، هذه الأضرار المادية والنفسية المباشرة للضحايا أنفسهم والمعاناة والخوف التي تلحقها إسرائيل بالعائلات والمجتمعات الفلسطينية.
كما يعامل العرب داخل ما تُسمّى “إسرائيل” كنباتات الزينة، لا رأي ولا حق لهم، في حين يُحتجز الفلسطينيون المُحتلون كرهائن ويعدون أعداء لهذا الكيان، وأكثر من ذلك لهيب هذه العنصرية هم أهل غزة الذي يختنقون تدريجياً بفعل الحصار العسكري والسياسي الذي يشابه حصارات القرون الوسطى.
كما يحاول “الإسرائيليون” طمس التاريخ والثقافة والتراث العربي والحق في التعبير عنها أو تعليمها أو نشرها، ويبذلون كافة الجهود ليمنعوا الفلسطينيين من التنديد علانية بالجرائم الإسرائيلية الكبرى تجاههم، عدا عن أنهم يسكتون نشطاء حقوق الإنسان الذين يعارضون الاحتلال ويسعون جاهدين لفضح أعمال الظلم التي يرتكبها ووضع حدّ لها.
تتمثل جرائم الصهيونية بحكمها العنصري وقمعها للشعب الفلسطيني وعنصريتها المؤسساتية وقسوة الاحتلال والإرهاب والحروب الوقائية والخنق الاقتصادي، واغتصاب الأراضي والتطهير العرقي والاعتقالات الجماعية ومعسكرات الاعتقال والتعذيب، وعمليات الاغتيال وخنق سكان غزة عبر الإبادة الجماعية البطيئة، والكثير الكثير من الجرائم الكبرى.
وإن كان المجتمع المبنيّ على أراضٍ أُخذت بالقوة غير شرعي من الناحية الأخلاقية، فلا حق لسكان نيويورك العيش على أراضٍ امتلكها الأمريكيون الأصليون، مثلهم كمثل المستوطنين “اليهود” في بيت إيل، والفرق بين نيويورك وبيت إيل أن الأولى تستقبل الناس من أي دين وعرق، بينما لا يسمح لغير اليهودي العيش في الثانية، وهذا ما يحاول بنيامين نتنياهو أن يحجبه عن العالم.
فهل يملك نتنياهو الحق في فصل الفلسطينيين عن مجتمعاتهم؟ وهل يملك الحق في توسيع المستوطنات على أراضٍ اغتصبها من الفلسطينيين؟ إنها أسئلة تفضح غيضاً من فيض الجور والجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني، أين وسائل الإعلام الغربية من ذلك؟.