متى تخرج المجتمعات العربية من إرث الماضي؟
أمجد سعود
ما زالت المجتمعات العربية مقيدة بموروثات التفاخر والتباهي بالأصل والحسب والنسب وحبيسة لتاريخ مجيد من الإنجازات العربية سواء على الصعيد العلمي أو السياسي أو الفكري أو حتى الديني، لاشك أن الماضي والتاريخ هو امتداد للحاضر والمستقبل ولكن عندما تبقى المجتمعات حبيسة في زنزانة التاريخ لم ترحمها عقارب الساعة وتقدم الزمن.
إن التباهي بالجذور والأصول والأحساب والأنساب أمر جيد تبرز من خلاله الأصالة والتجذر في التاريخ ولكن هل من الممكن لنا أن نتساءل ماذا أضفنا لهذا التاريخ وما الذي سنتركه للأجيال اللاحقة حتى تفتخر وتتباهى بنا كما نتباهى بأجدادنا اليوم؟
لقد شكلت الحضارة العربية أنموذجاً أنثربولوجياً ثقافياً لشتى جهات العالم ووصلت شمس تلك المنجزات إلى أقاصي البلاد في الكرة الأرضية تعلم منها الكثيرون ممن يتفاخرون بأبهى وجوه الحضارة اليوم ولكن هل يمكننا أن نلوم الآخرين ممن أخذوا من تلك الحضارة وطوروا عليها الكثير والكثير؟.
هل يمكن لنا أن نبقى أمام الغرب ونحن نبحث عن حضارتنا ومنجزاتنا في الماضي؟. لقد وصل بنا التقاعس إلى الحد الذي لم نعد نقدر فيه أن نصل إلى معلومة بسيطة عن منجزاتنا وحضارتنا دون استخدام وسائل التقنية الجديدة، بل أصبح مقياس التفاخر والتباهي بيننا لمن يحمل الأفخر والأغلى ثمناً منها وبتنا بالنسبة للشركات المنتجة والمصنعة لها سوقاً مهماً على مستوى العالم، أصبحنا شعوباً مستهلكة بامتياز مادياً وروحياً ومعنوياً حتى منجزات الأجداد استهلكناها لتغطية إخفاقاتنا وخضوعنا لثقافات الآخرين غير قادرين على مواجهتها. ولنفرض بأن تلك الدول قد منعت عنا تلك التكنولوجيا وأنظمة التشغيل لتلك الأجهزة ترى هل من الممكن لأحد من العالم أن يسمع لنا صوتاً وهل يبقى حتى التاريخ ملكاً بأيدينا؟.
عندما قامت الإدارة الأمريكية بحجب خدمات أنظمة تشغيل غوغل على الشركة المصنعة لهواتف الهواوي كاد ذلك أن يحدث كارثة اقتصادية على شركة غوغل الأمريكية بعد استعداد شركة هواوي الصينية لطرح نظام تشغيل خاص بها يحاكي ويتفوق على أنظمة التشغيل الأمريكية. لذلك ما الذي ينقصنا ونحن نمتلك ثروات ومقومات طبيعية إن استثمرت بشكلها الصحيح لأوصلتنا إلى أعلى درجات الرقي والحضارة ولصدرنا للعالم منجزات ترفع لها القبعة.
لا شك أننا مجتمعات مستهدفة لدى الغرب في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وكافة مناحي الحياة لأنهم يعلمون تماماً المقومات التي نمتلكها والتي إن استثمرت بشكلها الصحيح سيعيد التاريخ نفسه ونفرض أنفسنا من جديد بحضارة مرموقة غير غازية وإنما يستقطبها الآخرون منا.
تلك المقومات والموارد التي نمتلكها لا يمكن لها أن تصنع لنا حضارة دون وجود من يستثمرها ويقودها بالشكل الصحيح، إن الثابت الوحيد في الحياة الاجتماعية هو الحركة وفي الفيزياء لكل فعل رد فعل يقابله بالشدة والحركة فهل خرجنا حتى من دائرة القوانين الاجتماعية والقوانين الطبيعية؟. حقيقة لسنا بمكان نسعى من خلاله أن نجلد أنفسنا ولكن التاريخ الذي نتباكى عليه تارة ونتفاخر به تارة أخرى سيأتي يوم ويلفظنا من صفحاته.