ثقافة الأطفال في زمن الحرب في المؤتمر الثقافي لوزارة الثقافة
ثقافة الطفل في زمن الحرب حديث ذو شجون، ترى هل باتت الكلمة التي كنا نستخدمها سابقاً لنؤثر في الطفل قادرة أن تفعل فعلها اليوم في جيل عاصر الحرب وكان من أبرز الضحايا؟ وهل باتت الصورة الجميلة قادرة أن تترك الانطباع ذاته لطفل يراها بعد أن انغرست في ذاكرته مظاهر القتل والدمار والدماء؟.
أسئلة كثيرة تلقي بكاهلها على جميع من يعملون بشأن الطفولة من وزارات ومؤسسات وأدباء، ومن هذه التساؤلات انطلقت وزارة الثقافة في مؤتمرها الثقافي السنوي الثاني من خلال أحد أكثر العناوين خطورة وأهمية هو “ثقافة الطفل في زمن الحرب” في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، إذ أكد وزير الثقافة محمد الأحمد على أن موضوع الطفولة كان وسيظل على الدوام موضوعاً ملحاً ومؤرقاً فكل منا أب أو أم لديه أطفال يحرص عليهم وعلى حمايتهم، هذا هو الحال في الأوضاع السلمية العادية فكيف يكون في أوضاع حرب كونية شرسة تشن علينا بلا هوادة، لهذا اخترنا عنوان “ثقافة الأطفال في زمن الحرب” فقد مرت تسع سنوات ونحن نرزح تحت وزر هذا الحرب الظالمة، ومعروف أن انطباعات الطفولة هي أقوى الانطباعات وهي تلازم المرء مهما تقدم في السن.
وتساءل الوزير: ماذا علينا أن نفعل كمثقفين ومربين ومفكرين من أجل إعادة الثقة بالحياة إلى هذه النفوس الغضة الجريحة؟ وما هي البرامج التي ينبغي أن نضعها كي ننقذ أطفالنا من كوابيس الحرب وجحيمها، ولكي نعوضهم عن مدارسهم التي هدمت وبيوتهم التي دمرت وقراهم وأحيائهم التي اضطرتهم الحرب إلى هجرها وسنوات عمرهم التي أضاعوها وهم يبحثون عن مأوى آمن ومستقبل زاهر، وهدف مؤتمرنا هو طرح الأسئلة وتلمس الأجوبة المناسبة لها، وهذا المؤتمر هو مجرد خطوة أولى على هذا الصعيد وأكد الأحمد على أن الهدف الأعلى الذي ستبذل جهود المعنيين بالطفولة من أجله هو توفير بيئة سلمية معافاة لأطفالنا وإقامة مجتمع المعرفة المحصن ضد الأفكار المتطرفة الغيبية، حيث يسود العلم والعقلانية وأفكار التنوير مجتمع التربية الصحيحة والتفكير القويم لفلذات أكبادنا وأجيالنا القادمة.
وتحدث وزير التربية عماد العزب عن العلاقة التشاركية بين الوزارتين وأهميتها فيما يتعلق بثقافة الطفل، ولفت العزب إلى أن وزارة التربية تدعم كل ما يمكن دعمه في مجال عمل وزارة الثقافة لتنمية ثقافة الطفل، خصوصاً أن هناك أطفال ولدوا وأصبحوا في المدارس خلال سنوات الحرب وهؤلاء تكونت وانطبعت في ذاكرتهم الكثير من الأمور السلبية، ولوزارتي الثقافة والتربية دور في تصحيح هذه الصورة ليس من الناحية التربوية بل الثقافية أيضاً من خلال تقديم الصورة الحقيقية لبلدنا سورية .
وفي كلمة المشاركين توقفت الأديبة لينا كيلاني عند أهمية العنوان الذي اختارته وزارة الثقافة موضوعاً للمؤتمر الثقافي الثاني لافتة إلى أن عالم الطفولة أصبح اليوم شموليا لايضم الكتاب فقط بل أيضاً السينما والمسرح والدراما والرقص وحتى الألعاب، وهذا ما جعل منافذ الوصول إلى الطفل كثيرة ومتعددة وفي ظل هذا يبقى السؤال ماهي السبل للوصول إلى هذه المنافذ وكيف سيكون خطاب الطفل الذي تعرض للحرب وما هي النظرة الجديدة التي علينا رسمها بمفهوم جديد لواقع الطفل بعد سنوات من الهدم؟.
في الجلسة الأولى التي أدارتها الأديبة لينا كيلاني قدم د. عيسى الشماس بحثاً تحت عنوان “الآثار النفسية التي خلفتها الحرب عند الأطفال في سورية” تحدث فيه عن آثار الحرب على الأطفال بشكل عام، وأكد أن الحرب أخطر آثار الحرب على الطفل مشاهد القتل والدمار والتهجير وفقدان أحد الوالدين وكل ذلك من شأنه تغيير مجرى حياة الطفل إذا لم تكن هناك معالجة صحيحة، وتتنوع تلك الآثار لتدخل مجالات الاضطراب النفسي، ويحاول الطفل تجنب الحديث عن ذلك نتيجة الخوف وتكون النتيجة فقدان التوافق الاجتماعي والاضطرابات التي تختلف باختلاف شدة الصدمة ومدى التعرض لها، ولفت الشماس إلى أن آثار الحرب على سورية بدأت تظهر على شريحة واسعة من الأطفال واستند الباحث إلى دراسات وأبحاث لمنظمات محلية ودولية ولأخصائيين نفسيين واجتماعيين تؤكد التأثير الكبير للحرب على الأطفال، وذكر الشماس بعض الجوانب المهمة لمعالجة هذه الآثار منها مايتعلق ببرامج الدعم النفسي وتوفير بيئة آمنة وإتاحة الفرصة للطفل لممارسة نشاطاته وتنفيذ ندوات توعوية للأهل وورشات عمل حول أساليب المساندة الاجتماعية.
وحمل المحور الثاني عنوان “العمل من أجل سد الثغرات التي أنتجتها الحرب في البرنامج التعليمي للأطفال الذين أجبرتهم ظروف الحرب على ترك الدراسة” وفيه تحدثت الباحثة إلهام محمد عن أحد قوانين علم النفس وهو يلخص مايحتاجه الطفل من حب- حنان- حركة- حرية- حماية- حزم- حوار. ولتوظيف هذا القانون لابد من استمرار دوام الطفل في المدرسة والتكامل بين المدرسة والمنزل، وعلى اعتبار أن التعليم من أهم محاور التنمية البشرية وهو أساسي لتمكين المواطن من حياة مثمرة اجتماعياً واقتصادياً، عملت وزارة التربية على بذل المزيد من الجهود لضمان استمرار العملية التربوية من خلال العديد من الإجراءات والقرارات وتنفيذ المشاريع بالتعاون مع منظمات دولية وأممية وجمعيات أهلية لتعويض الفاقد التعليمي للطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة، ومن هذه البرامج مناهج التعلم البديل الذي يهدف لتوفير فرص التعلم لجميع الأطفال ومن ميزاتها أنها تستند إلى المناهج التربوية والمعايير الوطنية المعتمدة في سورية، إضافة لمرونتها وتمكينها المتعلم من التقدم لامتحانات شهادة التعليم الأساسي والثانوية، كذلك التعلم الذاتي وبرنامج الصفوف التكميلية والدروس التعويضية للالتحاق بالتعليم، وأضافت محمد أنه يتم العمل على دليلي مهارات حياة تم إنجاز الأول بشكل كامل بمركز تطوير المناهج وتتضمن الأدلة مجموعة أنشطة لمحاور أساسية منها التوظيف والمواطنة وتمكين الذات وفيها مجموعة مهمة من المهارات المهمة للأطفال، أما الدليل الآخر فهو تخصصي لمهارات ومواد الدراسات الاجتماعية ومواد علم الأحياء واللغة العربية.
وفي المحور الثالث تحدثت الأديبة نهلة السوسو عن إعادة تأهيل الأطفال المتضررين من الحرب في مراكز اللجوء وعادت بالذاكرة إلى بداية الحرب على سورية والشعارات الخطيرة التي رفعت والتي تستهدف الطفولة ليتبع ذلك سلوك إغلاق المدارس بالقوة وتدميرها وغير ذلك من مظاهر الإجرام التي حدثت كاستهداف الأطفال في مدارسهم واستهداف المدرسين مما شكل تحد كبير واجهته وزارة التربية. وتحدثت السوسو عن الدور الكبير الذي قامت به وزارة الثقافة ممثلة بمديرية ثقافة الطفل، إذ أدركت ماذا تفعل منذ اليوم الأول للحرب وأمسكت بالوسائل التي يمكن من خلالها أن تخفف عن الأطفال، من خلال إقامة النشاطات وورشات العمل والطفل هو من يأتي إليها، ولاحقاً أصبحت هي من يذهب إلى الأطفال في مراكز الإيواء ولم يقتصر دورها على تقديم الدعم والمساندة للطفل بل شمل ذلك الأمهات والكبار أيضاً عبر برامج الدعم النفسي للأهل.
النشاطات والفعاليات المقدمة للطفل
أدار الجلسة الثانية د. عيسى الشماس والتي بدأت مع محاضرة “دور النشاطات المختلفة المقدمة للطفل في اكتشاف الموهوبين” أضاءت فيها سهى بسيسيني على سمات الطفل الموهوب وأساليب اكتشافه وفقاً لأدوات معينة وبالاستفادة من نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها التربوية قائلة بأن عالم الطفولة يزخر بالقدرات فكل طفل يولد ولديه استعداد للإبداع، فإما أن تساعد البيئة تلك القدرات فتظهر الموهبة ويزداد بريقها أو أن تسبب باندثارها وغيابها، والمهم أن نكون كمربين قادرين على اكتشاف الموهبة عند الطفل، وهنا يأتي دور العوامل المؤثرة في موهبة الطفل من كوادر بشرية وطرائق وأساليب وأنشطة، لافتة إلى أن مفهوم الموهبة التقليدي ينظر إلى الطفل الموهوب بأنه الذي حصل على درجة ذكاء عام معينة أما حديثاً لم يقتصر على معدل ذكاء الطفل بل أصبحت القدرات الخاصة التي يظهرونها في مجالات معينة هي المقرر لموهبة الطفل، وتطرقت إلى نظرية الذكاءات المتعددة التي تتلخص بأن كل فرد يملك ٨ ذكاءات، وبهذا تفتح هذه النظرية الباب لإستراتيجيات تدريس متنوعة يمكن تنفيذها بسهولة من خلال كوادر بشرية مؤهلة.
وأوضح الأديب نزار نجار في محاضرته “دور المراكز الثقافية ومعاهد الثقافة الشعبية في تنمية مواهب الأطفال” بأن ثقافة الأطفال ضرورة من ضرورات الثقافة الشاملة في المجتمع، لذا لابد من تأهيل ثقافة الأطفال وتدعيمها في إطار التربية والحياة السورية وتأصيل هذه الثقافة بحاجة إلى تخطيط شامل عبر إعداد الخطط المستقبلية في ظل سياسة علمية مستقرة نابعة من ثوابت المجتمع السوري مع مراعاة المتغيرات، ولابد من فتح نوافذ الثقافات والحضارات المتعددة في العالم أمام الأطفال، متسائلا ماذا يمكن أن نقدم لطفل اليوم بكل ما يعرفه ويعيشه؟ وهل لدينا الكتاب الهادف الذي يحترم عقله؟ وكيف يمكن أن نعزز في أطفالنا روح البحث والمعرفة؟ مشيراً أنه في سورية أضحى الاهتمام بثقافة الأطفال سمة وبنية واضحة وكثرت المراكز الثقافية وازدادت معاهد الثقافة الشعبية، وتم التأكيد على أهمية ثقافة الطفل من اجل تكوين شخصية الطفل السوري المتكاملة.
وقدمت د. حنان نصر الله محاضرة عن “دور الخبرات الفنية المبكرة في صقل ثقافة الطفل” معتبرة أن الخبرات الفنية التي يقوم بها الأطفال إحدى الوسائل التي يجدون ذواتهم من خلالها ويعبرون بها عن مظاهر طفولتهم، والطفل في فنونه يصقل شخصيته بأسلوب حر طليق يستطيع من خلاله أن ينطلق بخياله ليتغلب على نواحي القصور التي يعاني منها، ومن القيود التي تفرضها عليه حدود الزمان والمكان فيقوم ببناء أفكاره والتعبير عنها، فهي مرآة تعكس أحاسيسهم ومشاعرهم وترجمة لثقافة الأطفال بشكل عام وفي زمن الحرب بشكل خاص، مبينة أن الخبرات الفنية تسهم في تهذيب الأخلاق وصقل ثقافة الطفل في سنواته المبكرة فهي فن من الفنون السامية يجري توظيفه، كما أنها تتنوع ما بين الموسيقا التي تغني لحن الحياة والرسم بألوانه المتنوعة والأهم من ذلك فإنها أسمى الطرائق وأكثرها تعبيراً عن الإبداع الخلاق واكتشاف للطاقة الكامنة في النفس البشرية وتذوق الأدب والشعر والقصة ويبقى جوهرها أسمى من وسائل التكنولوجيا ووسائل الاتصال فالخبرات تاريخ الحضارة وعنوان المستقبل كذاكرة فنية وأدبية للمكان والزمان، مؤكدة أن الفنون تعد روح النفس البشرية وشريان الحياة للعالم الحقيقي لطفل المستقبل.
جلال صالح- لوردا فوزي