عن أردوغان و”الكيماوي” وشريعة الغاب
لم يعد مستغرباً كم النفاق والخداع الذي يطبع كلام وأفعال “ساسة الصدفة” في ظل شريعة الغاب التي نعيشها اليوم، لذلك كان من “الطبيعي” أن تحفل الأيام القليلة الماضية بأخبار متزامنة، بعضها فاجر، من قبيل اعتراف أردوغان العلني بنيته المسبقة لنهب ثروات سورية، ومنها النفط، بحجة تمويل ما يدعوه “المنطقة الآمنة”، أو تذرّع وزير دفاعه بالقرارات الدولية و”اتفاقية أضنة” لتبرير احتلال قواته، ومرتزقتها، للشمال السوري، مع استمرار كشف صحف غربية متعددة، ومعها “ويكليكس”، للتلاعب الفاضح، والتزوير المقصود، في تقارير منظمة الأسلحة الكيميائية حول سورية.
وإذا كان اعتراف أردوغان لا يحمل جديداً – باعتبار سيرته الجنائية الحافلة بسرقات “حلب” وغيرها – فإن المرء لا يحتاج إلى الكثير من “العلم القانوني” كي يتبيّن نفاق مقولة “الوزير” التي أطلقها من “الدوحة” العاصمة المالية للإخوان المسلمين – باعتبار أنقرة عاصمتهم السياسية – وقال فيها: إن بلاده “ستواصل التحرّك لحماية الحدود وفق القرارات الدولية واتفاق أضنة مع سورية”. فإذا كان من النافل القول: إنه لا وجود لقرارات دولية تسمح له أو لغيره باستباحة أراضي دول أخرى دون موافقة حكومتها الشرعية، فإن “اتفاق أضنة” الذي يتذرّع به كان رئيسه، في طورها الامبراطوري العثماني، أول من مزّقه وخرق بنوده بالكامل حين فتح حدوده مع سورية لكل قوافل الإرهاب القادمة من كل حدب وصوب، ثم جعل من بلاده مصرفاً ومشفى ومقر خدمات لوجستية وقيادة وتوجيه استخباري دائم لكل تحركاتهم الإجرامية في سورية، لذلك بدا كلام “الوزير” عن “ممر الإرهاب” على الحدود الذي لن تسمح به بلاده، أو كلامه عن تركيا التي “كانت وما تزال في مقدمة الدول المحاربة لتنظيم داعش”، كلام سوريالي بامتياز، جعل المتابعين لا يستغربون ما جاء بعده من تهويمات دعائية كاذبة من قبيل أن تركيا “ستساعد في التوصل لحلول سياسية للأزمة السورية”..!!، أو ستعمل على “تهيئة بيئة آمنة للعودة الطوعية للنازحين السوريين”..!!.
وللمفارقة فإنه في الوقت نفسه الذي كانت هذه “الجواهر” تنهمر من أفواه هؤلاء القتلة كان “ويكليكس” وصحيفة “ديلي ميل” البريطانية يقدّمان وثائق جديدة تثبت كم التزييف والتلاعب الذي مارسته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتقاريرها المتتالية حول سورية، فالمحققون بأغلبيتهم الكاسحة “لم يباشروا عملهم في سورية”، بل “كانوا يشتغلون من دولة أخرى لم يذكروها”، أما من عمل منهم على الأرض ميدانياً، فقد كان الإخفاء على يد مسؤول رفيع المستوى في المنظمة ينتظر تقريره الأصلي وأدلته التي جمعها والتي نفت بصورة قطعية استخدام الكيماوي، بل أوضحت الفبركة الكاملة للقصة من ألفها إلى يائها.
وبالطبع أمام هذه السياسة الفاجرة سواء للمنظمة الدولية أم للسلطان ورئيس انكشاريته، يصبح نافلاً افتضاح دور وتبعية المعارضة الخارجية عبر الكشف عن الجنسية التركية لرئيس أسبق لما يسمى بـ”الائتلاف السوري المعارض”، وإذا كان ازدواج الجنسية ليس مانعاً قانونياً للعمل السياسي في نظر البعض، لكنه في حالتنا مانع وطني وأخلاقي وقانوني في ظل حقيقة كونه عضواً فاعلاً في تيار سياسي تركي تحوّل لاحقاً إلى حزب ناشط، والأسئلة هنا أكثر من أن تُحصى، أولها لمن كان ولاء هذا الرجل؟!! وثانيها من زرعه في “الائتلاف” وأوصله إلى قيادته؟!! وثالثها ماذا كان دوره الحقيقي؟!! ورابعها هل كان “رفاقه” يعلمون بوضعه القانوني وعمله السياسي المزدوج؟!! وإذا كانوا يعلمون، فكم كان ثمن صمتهم عن هذه الفضيحة المجلجلة؟!!.
تلك هي وللحقيقة المرة، الحالة “الطبيعية” في ظل شريعة الغاب التي نعيشها، لكن الأمل سيبقى موجوداً بتغييرها ما دامت إرادة المقاومة لهذه “الشريعة” قوية وفاعلة.. والصراع – كما عادته دائماً – مستمر.
أحمد حسن