“سمير طحّان”: الحكواتي الحلبي يطمح في أن يترك آلامه في داخله
سمير طحان “ظاهرة عجيبة” فهو نسيجٌ وحده بتركيبه وأسلوبه وأفكاره، إنه يروي حالاته، وكلٌ منها مرتب بشخص له علاقة معه. إنه رسام وموسيقي وكاتب وشاعر. ولد سمير في قرقيزيا البُصيرة الواقعة على مصبّ نهر الخابور، وهي من أعمال دير الزور في سورية، وذلك عام 1974. تعلّم في معهد الأرض المقدسة بحلب، وفي عام 1980 بدأ بكتابة الشعر كما بدأ يتعلّم فنّ تخريم الخشب والنحت والرسم، وفي عام 1985 نال شهادة الدراسة الثانوية، وعمل كأمين للسر في معهد الأرض المقدسة، ثم التحق بخدمة العلم وتخرّج من مدرسة الهندسة العسكرية نقّاباً عن الألغام المتفجرة، ثمّ أفرز للخدمة على الجبهة السورية.
انفجر به لغم كان يزرعه فأودى بيديه وبصره وسمعه، وبعد محاولات يائسة أزيلت عينه اليمنى، وبعد عدة عمليات جراحية تمّ زرع قرنية صناعية له فاستعاد جزءاً طفيفاً من بصره، كما زرعت له طبلة في كل أذن كي يتمكن من السمع. وخلال ذلك تعرّف على إحدى الطالبات في جامعة حلب، كانت تدرس اللغة الفرنسية في تلك الأيام، وبدأت تقرأ له تطوعاً بناءً على اقتراح من أخيه المعيد في ذات الكلية الذي طلب من زملائه أن يوجهوا جهودهم لمساعدة أخيه ويتطوعوا لإزالة الآلام عنه. نشأت بينه وبين الطالبة علاقة عاطفية، لكن أهلها رفضوا تزويجها لرجل فاقد ليديه وسمعه وبصره، خاصّة وهي البنت الصغرى في أسرتها، وبدأت المشاكل، والأسرة تصرّ وتقدم الحجج المقنعة، والبنت كذلك تصرّ وتقدم الحجج المنطقية والمقنعة، وفي هذه الفترة كان يرسم برسغيه وفمه، ممّا سبب له إجهاداً أدّى إلى شلل عارض في عصب وجهه. ساهمت منظمات إنسانية في إعادة بنائه نفسياً واجتماعياً وثقافياً، فخصصّت له مرشدين وأساتذة، وفتحت له باب مكتبتها الناطقة، وعرضه على أهل العلم والفكر والأدب والفن فبدأ يكتب الحكاية والفنون الشعبية.
درس قوانين معاقي الحروب، وأعدّ دراسة شاملة عن هذا الموضوع، واقترح تلافي النقص في القوانين الخاصّة بالمعاقين المعمول بها في وطنه، وسلّمها إلى وزارة الدفاع، ولأنّه أحيل إلى التقاعد لم يشمله قانون معاقي الحروب الجديد، وتحوّل إلى ملاك وزارة المالية، ثمّ تزوّج من الآنسة التي أحبها، واشترى لها بيتاً في شارع محطة بغداد في حلب وسكناه، وكان قد كتب البيت باسم زوجته. في هذه الفترة طبع كتابه “ولاويل بردى” وقُبِل في اتحاد الكتاب العرب. وسافر إلى مدريد وطبع كتاب “فيلاس دي آلتاميرا” باللغة الإسبانية، وقُبِل في اتحاد الكتاب الإسبان، وأجريت معه لقاءات عديدة في التلفزيون الإسباني. ثمّ عاد إلى سورية وطبع كتابه الثاني بالعربية “هناهين قويق”، (وقويق هو النهر الذي يمر في حلب)، وراجع في دمشق الترجمة الانكليزية التي أعدها لكتابيه: “الحكواتي والقصّاص الحلبي”. ثمّ انفصل عن زوجته واستعان بأصدقائه الذين لم يخذلوه، وبخاصّة الشاعر سعيد رجّو والدكتور عمر التونجي، اللذين أخذا يتناوبان على مرافقته طيلة الأوقات.
في هذه الفترة راح يسجّل كتاب “الحالات” ثم أخذ يكتب منتخبات من الأدب الشعبي السوري، كما تعمّقت أواصر الصداقة بينه وبين الملحن سمير كويفاتي والمطربة ميادة بسيليس، وبدؤوا مسيرة فنية لا تزال مستمرة حتى الآن يقول سمير طحّان: “سمير كويفاتي هو النافذة الوحيدة التي أطل منها على عالم الغناء ولولاه ما سمع أحد أغنياتي، “إنه طير حرٌ يخلق الفرصة التي سيصطادها وحصان بارع يمهّد المضمار الذي سيتسابق فيه” كما قدّم الشاعر سعيد رجّو قصيدة إلى سمير طحان الشهيد الحي، يقول فيها:
أعطيت للحبيبة البتول مقلتيك/-دون منّة- براحتي /أعطيتها يديك/وكل ما لديك
وهكذا أصبحت في شريعة العشاق/فارس الأشواق/يا فارس المضاء.. سيّد العطاء أصبحت مثل سائر الكواكب الوضاء/تلك التي توزع الضياء للسارين في الظلماء وليس في مقدورها/أن تبصر الضياء/يا سيد الثراء إننا نسألك العطاء/فلا تقل يا سيّد السخاء/لا يدين لدي ولا عيون/فالشمس والرياح والبحر مالها/أيدٍ ولا عيون/ومثلها تملك أن تكون/فلتجزل العطاء/فلتجزل العطاء.
إنّ سمير طحان الذي فقد بصره منذ عدة عقود، قدّم للمشهد الثقافي عبر بصيرة متوقدة، العديد من الأعمال والأجناس الأدبية منها: “الجنك- مجمع العمرين- رزنامة حلب- الحالات.. وغيرها”.
فيصل خرتش