خارج الأولويات قطاع الدواجن.. اضطراب في الأسعار وتبادل للاتهامات.. والمواطن في دائرة الاستهداف
لعب قطاع الدواجن دوراً هاماً في ترسيخ حالة الأمن الغذائي خلال الأزمة، رغم حجم الصعوبات الهائلة التي تعرّض لها، لكن محاولاته للتعافي والنهوض كالسابق منذ 2016 وحتى اليوم باءت بالفشل نتيجة صعوبات جمة تواجه حركة المربين، ومعظمها ناتج عن الحصار الاقتصادي المفروض الذي يدفع بعض السياسات الحكومية باتجاه ترشيد الدعم وتوجيهه وفق أولويات محددة قد لا تشمل قطاع الدواجن في بعض الحالات، حيث ارتفعت أسعار مادتي البيض والفروج في الشهرين الأخيرين بشكل هستيري جعل المواطنين يحجمون عن شراء هذه المادة التي باتت مادة كمالية في غذائهم، ليقف أصحاب القرار خلف شماعة ارتفاع سعر الصرف لتبرير عجزهم عن إيجاد حل منطقي لدفع عجلة هذا القطاع.
تآكل القدرة الشرائية
إن توفير المواد العلفية بمواصفات قياسية، ومنح أسعار تنصف المنتج والمستهلك، واتباع سياسة تسعير مرنة تجاه منتجات الدواجن، ومنح قروض مخفضة الفوائد أو دون فوائد إطلاقاً، ومنح إعفاءات إضافية للمداجن العاملة من حيث الضرائب والرسوم، وتفعيل دور المؤسسة العامة للأعلاف في توفير احتياج البلاد من الأعلاف، جميعها عناصر تشكّل حزمة من الإجراءات تضمن استمرار تدفق منتجات الدواجن إلى الأسواق، واستمرار القطاع بدوره الهام، وبين تبريرات الجهات المختصة واحتكار التجار وابتزازهم المستمر يقف المواطن في حيرة من أمره عن دور وزارة حماية المستهلك التي عادت إلى سباتها بعد حالة من الاستيقاظ رافقت زيادة الرواتب والأجور، وارتفاع سعر الصرف، وسعر جميع السلع، لتعود بعد أقل من شهر إلى حالة اللاتدخل المعهودة، ويؤكد عبد الرحمن قرنفلة “المستشار الفني لغرف الزراعة” أن اضطراب سعر صرف العملة المحلية تجاه سلة العملات الأجنبية كان له تأثير سلبي على نمو القطاع نظراً لأن معظم مدخلات الإنتاج مستوردة، ويتم تسديد قيمتها بالقطع الأجنبي، ما يعني أن أي تبدل بسعر الصرف يخلق حالة من عدم الاستقرار في قيمة مدخلات الإنتاج، في ظل ثبات سعر مبيع منتجات القطاع نسبياً لارتباطها المباشر بالقدرة الشرائية للمستهلك التي تآكلت أيضاً بفعل التضخم الناتج عن تبدل سعر صرف العملة المحلية.
مبدأ العرض والطلب
لم تسلم الأعلاف من موجة الغلاء التي طالتها هي أيضاً، إذ تجاوز سعر كيلوغرام الأعلاف حسب قرنفلة 300 ليرة سورية، بينما كان في بداية شهر تشرين الأول الماضي بحدود 215 ليرة، أي ارتفع بنسبة 39.5 بالمئة، ومن المعروف أن أعلاف الدواجن مستوردة بنسبة 95%، وتخضع أسعارها لتبدلات سعر صرف العملة المحلية تجاه العملات التي يتم الاستيراد بها، إضافة إلى نسب الفوائد المرتفعة التي تتقاضاها المصارف الخاصة التي تقوم بتمويل واردات الأعلاف من القطع الأجنبي، فضلاً عن اضطرار التجار للشراء من تجار دوليين للحصول على كميات محدودة من المواد العلفية لتجنب العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، لتكون هذه العوامل عنصراً أساسياً في رفع سعر المادة العلفية بالسوق المحلية، أما اضطراب سعر مبيع لحم الفروج وبيض المائدة للمستهلك فهو ناتج عن خضوع سعر المادة لمبدأ العرض والطلب، حيث تتأثر نسبة تشغيل المداجن بتكاليف مدخلات الإنتاج، إذ يؤدي ارتفاع أسعار تلك المدخلات إلى عزوف الكثير من المنتجين عن الإقلاع بدورات إنتاجية جديدة نتيجة عدم قدرتهم على تمويل قيمة مدخلات الإنتاج.
حلقة فارغة
حلقة من البحث في قطاع الدواجن علّنا نجد حلولاً إسعافية لتدهور قطاع الدواجن، لكن حالة من التمنّع عن التصريحات لم نجد لها مبرراً، حيث اكتفى محمد كشتو رئيس اتحاد غرف الزراعة بإلقاء اللوم على ارتفاع سعر الصرف الذي أدى لارتفاع سعر مادة العلف المستوردة، وبالتالي لا توجد حلول لمشكلة تدهور قطاع الدواجن، نافياً وجود استيراد لمادة الفروج المجمد، أو حتى تهريب لها، وفي المقابل عزف نزار سعد الدين رئيس مربي رابطة الدواجن عن تقديم أرقام وإحصائيات تؤكد تذبذب الأسعار والخسائر الفادحة، الأمر الذي أكده لنا وهيب مقداد رئيس لجنة مربي دواجن درعا، حيث عزف أكثر من ثلث المربين عن تربية الدواجن بسبب ارتفاع الأعلاف والأدوية، وتكاليف التدفئة إلى أكثر من 25% في الشهرين الأخيرين، ما أدى إلى خسائر مدمرة لهذا القطاع، وألقى مقداد اللوم على المواطن الذي يجد سعر الفروج والبيض مرتفعاً، في حين أن تكلفة إنتاج الفروج 950 ليرة، ويباع بـ 800 ليرة من أرض المزرعة، ليكون المربي هو الخاسر الأكبر في هذه العملية، وأضاف: لقد تمت مراسلة رئاسة مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي بإرسال كتاب يطالب بإلغاء الرسوم على الأعلاف، أو تخفيضها من 5% إلى 1%، وهو قيد الدراسة الآن، في حين لم ينف ياسين صهيوني رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الصناعات الغذائية معاناة قطاع الدواجن من صعوبات ومشاكل تؤثر بمجملها على تذبذب أسعار الفروج وعدم استقرارها، وأبرز هذه الصعوبات غلاء أسعار الأعلاف والأدوية واللقاحات، وخروج قسم كبير من المربين خارج العملية الإنتاجية، وعدم استقرار أسعار صرف العملات الصعبة وارتفاعها، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار مستلزمات الإنتاج، وبالتالي زيادة تكلفة الإنتاج، وخاصة الأعلاف المستوردة، وعدم توفر المحروقات اللازمة للتربية بالشكل الأمثل، وارتفاع أسعارها.
حلول إسعافية
وحسب إحصائيات غرفة الزراعة فقد ارتفعت أسعار مدخلات الإنتاج بشكل حاد، حيث بلغت نسبة الارتفاع بأسعار كسبة فول الصويا التي تدخل بتركيبة علف الدواجن بنسبة 20% خلال الفترة من أول تشرين الأول 2019 وحتى مطلع كانون الأول 2019 حوالي 65%، وبلغت نسبة ارتفاع أسعار الذرة الصفراء التي تدخل بتركيبة أعلاف الدواجن بنسبة 65% للفترة نفسها 30%، في حين بلغت نسبة الارتفاع بأجور اليد العاملة 30%، ونسبة الارتفاع بأسعار الأدوية البيطرية واللقاحات والمعقمات المستوردة حوالي 50%، ولم تتجاوز نسبة الارتفاع بسعر بيض المائدة الـ 13% للفترة نفسها، هذا الواقع ألحق خسائر كبيرة بمربي الدواجن في ظل عجز معظمهم عن تمويل قيمة الأعلاف بفعل الارتفاع الكبير بأسعارها، وخاصة خلال فترة الرعاية لصيصان الدجاج البياض (أربعة أشهر)، وعدم وجود إنتاج لتغطية النفقات خلالها، وكذلك بالنسبة لقطاع الفروج، وللحد من تدهور واقع القطاع، والحرص على استمرارية عمله كرافد أساسي للأمن الغذائي، ورافعة من روافع الاقتصاد السوري، قدم قرنفلة جملة من الحلول أهمها تسريع منح إجازات الاستيراد لتجار المواد العلفية لتوفير المادة بالأسواق بشكل عاجل، وإلغاء قرار إلزام مستوردي الأعلاف تسليم نسبة 15% من مستورداتهم إلى مؤسسات الدولة، نظراً لانعكاس ذلك على ارتفاع أسعار المادة بالسوق، وإلغاء الضرائب على الأعلاف، حيث ارتفعت من 1% إلى 5% ولمدة سنتين على الأقل لضمان خفض أسعارها، كذلك توجيه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لترك تحديد أسعار بيض المائدة والفروج لقوى العرض والطلب، والتي تحددها القوة الشرائية للمستهلكين، وعدم إخضاعها لأسعار قسرية تلحق خسارة بالمربين، علماً أن المادتين غير تخزينيتين، ولابد من طرحهما طازجتين بالأسواق، إضافة إلى منح قروض متوسطة الأجل لمربي الدواجن دون فائدة بضمانة منشآت الدواجن، ودون تعقيدات الروتين الذي تفرضه المصارف العاملة بالقطر بغرض تمويل عمليات ترميم مباني المداجن، وكذلك تمويل مدخلات الإنتاج.
ميس بركات