الوقــــت عنـــــد هـــــدى فاضـــــل ولهـــــا
قلما أعلنت ندمي على قراءة رواية مهما بلغت من الطول في عدد صفحاتها، أو حتى مهما اختلفت مع صاحبها أو صاحبتها في المعنى أو في المبنى، وهي عندي أي الرواية فن العمارة عبر الحدث والمسار، ومعنى المعاني، لكنني حين أنهيت هذه القراءة للـ (الوقت) رواية هدى فاضل الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب هذا العام ندمت لأنني غير قادر على إعادة القراءة مرة على الأقل، فهي من العمق وغنى الموضوع ما يستلزم مثل هذه الإعادة وفيها الإفادة.
استوقفني المكان وهو ليس حمص خلال الحرب كلها بل مساحة محدودة جدا، مكتب للهلال الأحمر في المدينة وكوكبة من المتطوعين والمتطوعات أطباء وممرضات، تقابلوا في مصادفة خلال الحرب وعاشوا تفاصيلها، أحبوا بعضهم، وكانوا شهودا على موت أشياء كثيرة في مدينتهم. وفي هذه المساحة المحدودة من المكان والزمان تطالعنا حياة بلد بكامله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وما تعرض له من أحداث اختلف كثيرون مع كثيرين على تسميتها وتوصيفها، فالرواية من أدب الحرب وهي ليست الوحيدة التي تناولت هذا الموضوع الغزير بأحداثه ودلالاته، بل تكاد تكون من أكثر الروايات مقدرة على إيهامنا أنها ليست لتدوين الحرب وحدها، بل هي رواية الحب بجدارة وربما هي رواية الوقت بمعنى من المعاني، أي ماذا يفعل الزمن وما هو تأثيره على الحدث، وكيف يفعل فعله في النفوس.
أما شخوصها فهم أبطال حقيقيون في الحياة لما لعبوه من دور عظيم في إسعاف الجرحى ومداواة المرضى، وإخراج البشر ولو جثثا من تحت الأنقاض، وما رافق كل ذلك من رعب وخوف وإقدام وربما بعض إحجام، لكنها الحرب حين تضع بعض المخلصين الأوفياء أمام مهمة مقدسة. ليل، نسيم، ياسمين، ديمة، جود، ربما في اختيار هذه الأسماء للشخصيات الرئيسة ما يشي بأن الكاتبة تقصدت المقاربة بينهم وبين ما يمثلون من رمزية في الطبيعة. لكنهم أبطال وشخصيات إيجابية يضرب بهم المثل في وفائهم وريادتهم للعمل التطوعي، وكذلك كان حبهم فهو من الأفعال الإيجابية التي تعين الإنسان على تحدي وقهار الصعاب، ولو كانت هذه الصعاب حربا مدمرة وحالة من القصف لم تتركهم ينعمون ولو لليلة واحدة ليحتفلوا بعرس نسيم وياسمين، حيث انصبت قذائف الحقد لتغتال الفرح في حياة هؤلاء وهم في صالة الأفراح التي عجزت الحرب عن إغلاقها، لكنها نجحت في بعثرة أجساد المحتفين بالعروسين، وهنا نسجل للروائية دقة ما ذهبت إليه من إسقاطات وترميز.
لغة الرواية سردية بحرفية عالية وإن كان من ملاحظة لابد منها فهي عدم مساعدة القارئ على تتبع الضمائر، فقد اعتمدت الكاتبة منهجية الانتقال من متكلم إلى آخر دون تمهيد أو ما يشعرنا بتبدل الضمائر، وقد وجدت ذلك مرهقا ومثار سؤال عن جدوى عدم وجود عناوين أرقام تمهد للمتلقي سبل الانتقال، ومع ذلك أضع ما بين يدي القارئ معنى (الوقت) ودوره عند الكاتبة:
الوقت وحده ما يسبب لي كل هذا الألم، فقط لو يتوقف قليلا في حدث ما كنت قد أردته يوما ما.. يا لروعة هذا الوقت.
رياض طبرة