جائزة نوبل للآداب تنجح بصدّ ركلة الجزاء
يبدو أن قدر الروائيين الذين يشجبون وينددون بجائزة نوبل للآداب، أن يقبلوها وينسوا جميع ما قالوه عنها؛ “جورج برناردشو”، كان قدي قال: “إنها طوق نجاة يلقى به إلى رجل وصل فعلا إلى بر الأمان، ولم يعد عليه من خطر”، وبعد أن فاز بها عام 1925، عاد وكرر نفس الرأي، وكان “غابرييل غارسيا ماركيز”أيضا قد قال عنها ذات يوم: “إنها مثل الموت يستهدف الناس بلا سبب”، ثم حصل عليها عام 1982، هذه السنة كانت من نصيب الروائي الألماني “بيتر هاندكه”، والذي كان قد قال عنها: “ينبغي إلغاء جائزة نوبل للآداب، فهي شكل من أشكال التقديس الزائف، الذي لا يفيد القارئ بشيء”، ولا بد أن يُعذر أي روائي وهو يرى نفسه أمام الجائزة الأهم في العالم، فهي فعلا تستحق أن تُرفع لها القبعة، فالنزاهة في التحكيم، تسير جنبا إلى جنب في التعامل، مع الرأي العام، هناك دول عديدة من التي تمنح جوائز هنا وهناك، تستطيع أن تدفع أكثر مما تدفعه الاكاديمية العريقة في ستوكهولم، ولكن هناك أسباب أخرى تدفع للثقة بتلك الهيئة.
فهذا العام 2019 صدرت الجائزة للألماني “بيتر هاندكه”، عن نفس السنة، أما جائزة الـ 2018 والتي كانت مؤجلة لعام كامل، فقد صدرت للروائية “أولغا توكارتشوك”، وكان سبب التأجيل في العام الماضي، فضيحة التحرش التي هزت أركان الأكاديمية، والمفارقة أنها لم تكن بحق أحد من أعضائها، بل بحق “جان كلود آرنو”، الذي يُدير مشروعا ثقافيا، بتمويل من الاكاديمية السويدية! وأيضا لأن زوجته من أعضائها، وبعد أخذ ورد، قرروا عام 2018، تأجيل إصدارها للعام القادم، وقالوا إن هذا التأجيل، سببه ضعف ثقة الرأي العام بالجائزة، بسبب الفضيحة.
هناك فرق بين كلمة “آداب”، بمفهومها المجتمعي البسيط، وبين مفهومها الذي يشير إلى “الأدب”، بصنوفه من قصة وشعر ورواية، ولكن “نوبل”، تدمج إليهما على أنهما شيئا واحدا، فليس من الأدب، منح جائزة الأدب، أثناء فضيحة مرتبطة بالأدب! ومن قال الشر ليس فعلاً منافيا لغاية للأدب؟ ألم يقل “نزار قباني” في توصيفه للقصيدة أنها “مواجهة بالسلاح الأبيض مع كل اللصوص، والمرتزقة، وتُجار الهيكل”؟
قد يكون السبب هو الذي جعل “مراسم” التتويج هذا العام، خافتة الأضواء، بعيدة عن الصخب الإعلامي، بل إن الكثير من المهتمين بالأدب، سمعوا باسم “بيتر هاندكه”، وبالجائزة عموما لهذا العام من خلال “ولدنات” أردوغان، الذي أخذ يشجب حصول “هاندكه” على الجائزة، واستفحل به الحال أكثر، وأكد أنه لن يقبل نوبل للسلام إذا ما عُرضت عليه، مع أن أحدا لم يعرضها! ربما يتوقعها بسبب جهوده (السلميّة)، في سرقة زيتون عفرين، ومعامل حلب، وبيوت رأس العين!
غياب الصخب الإعلامي عن الجائزة، لم يمنع عشاق فن الرواية، من الانتظار بشغف، لسماع تقييم الهيئة الملكيّة لتجربة كل من الروائيين الفائزين، فالبرتوكول يقتضي التنويه بكل تجربة، بكلمات شديدة الكثافة والاقتضاب، تُعبر عن روح ومزايا التجربة، وتكشف أن هناك نقادّا بمعنى الكلمة يقفون وراء ذلك.
في توصيف تجربة الروائية البولندية “أولغا توكارتشوك”، قالت الأكاديمية أنها تُمنح الجائزة على: (خيالها السردي الذي يُعبر من خلال شغف موسوعي، عن تجاوز الحدود كشكل من أشكال الحياة)، وفي توصيف تجربة “بيتر هاندكه”، قالوا: (العمل المؤثّر الذي استطاع ببراعة لغوية سبر عوالم خصوصية التجربة الإنسانية وتفردها).
الروائية توكارتشوك، توصف بأنها يسارية ملتزمة سياسيا وبيئيا، وتُعتبر من ألمع روائييّ جيلها في بولندا، ألفت حوالي 25 عملا، تتنوع بين القصة الخيالية الفلسفية، والرواية البوليسية، الميتافيزيقية، انتهاءً بالرواية التاريخية، أعمالها مُترجمة إلى أكثر من 27 لغة.
أما الروائي هاندكه، فهو أحد الكُتّاب الألمان، الذين يتمتعون بأعلى نسبة قراءة في ألمانيا وفرنسا، أعماله التي تربو عن الثمانين، تحول الكثير منها، إلى مسرحيات وأفلام، ومن أبرز رواياته: “الرسالة القصيرة للوداع الطويل”، ترجمها إلى العربية أحمد فاروق، ورواية “فطر الحمقى”، وكان كتب سيناريو فيلم “أجنحة الرغبة” عام 1987، والكثير من النقاد يعتبرونه الأهم بالألمانية بعد “غونتر غراس”-1927-2015- والذي حصل بدوره على “نوبل” 1999، وبرأيي الشخصي، فإن أجمل أعماله هي روايته البديعة التي يشكل عنوانها بحد ذاتها عملا أدبيا “خوف حارس المرمى لحظة ركلة الجزاء”.
تمّام علي بركات